كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

مرة كان واقفا عند الحجرة النبوية، وكانت سوق البدع نافقة أمامه إذ مر عليه أستاذه الشيخ محمد حياة السندي، فسأله الشيخ: ماذا تقول في هؤلاء؟
فأجاب الأستاذ: ((إنّ هؤلاء متبّر مّا هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون)) 1. وازداد هذا الشعور في البصرة فصار ينهى عن المنكر بلا خوف، ونتيجة لذلك عانى أنواعا من المشقات، وفي الأخير اضطر إلى أن يترك البصرة. وزيادة على ذلك عذب الشيخ محمد المجموعي أيضا لأجل صلته به وعطفه عليه.
طرده الأشقياء في وقت الظهيرة، وكان يتقدم في هذه الحالة النكدة إلى الزبير2 حتى جف حلقه من شدة العطش إلى أن جاءه رجل صالح (وكان يملك حميرا يكريها) يسمى أبا حميدان، فساعده وسقاه وأركبه على حماره حتى أوصله إلى الزبير3. وكانت هذه مراحل أولية وأعمالا تمهيدية للدعوة الأساسية. فلما رجع إلى حريملاء صمم على استئصال البدع، ونشر التوحيد والأخلاق، وأسس دعوته على تحقيق التوحيد، وركز على إخلاص العبودية لله تعالى فقط أيا كان نوعها. وكان شعاره إعلاء كلمة الله.
وليس من لعب الأطفال التصدي لإصلاح أخلاق فسدت من القرون الطويلة، وكان يريد أن يوجد عواطف الصلاح والشفقة في البدو بدلا من عادات السرقة وقطع الطرق والخداع والنهب.. كانت غايته إصلاح عقيدة الجهال، وإقامتهم بباب الإله الحقيقي بدلا من الآلهة الباطلة والقبور والقباب. ولا يتجرأ على هذا كل من هب ودب. هذا عمل يقتضي الإيمان الخالص والعزيمة الصادقة، ويظهر من خلال تلك المصائب الشديدة التي عاناها الشيخ في هذا السبيل، والمشقات التي استقبلها صابرا ضاحكا مبتسما إنه كان متحليا بهذه الأوصاف حق التحلي.
__________
1 عنوان المجد 1: 7.
2 الزبير: قرية كبيرة قرب البصرة عمرت باسم الزبير بن العوام رضي الله عنه. وأهل هذه القرية معروفون باتباع السنه حتي الآن.
3 عنوان المجد 1: 8.

الصفحة 35