كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

دعا إلى التوحيد وحاول النهي عن الخضوع لغير الله والاستغاثة بالقبور والأولياء، واتخاذ عباد الله الصالحين آلهة يعبدون. واتخذ خطوات عملية للقضاء على البدع التي دخلت في الطريقة المسنونة في زيارة القبور- ولا تسأل بعد هذا-، فقد تدفقت سيول المخالفات وبدأ الأعزاء والأقرباء يؤذونه حتى إن الوالد نفسه ما أعجبه هذا الصنيع. وكان الشيخ يراعي كل المراعاة أدب الوالد واحترام الأستاذ ولكن الخطوات المتقدمة لم تتراجع. تجاوز الإيذاء كل الحدود ولكن جبل الصبر والعزيمة لم يتزحزح عن مكانه. ومع كل العقبات والموانع مازال يستمر في دعوته، واشتهر أمره في جميع مدن العارض وحريملاء والعيينة والدرعية والرياض وغيرها، وبدأت تعاليمه تنتشر.
كانت الدعوة مستمرة- ولكن سيرها كان بطيئا - بسبب برودة الوالد1 وتوفي الوالد في سنة 1153 هـ/ 1740 م فاشتدت الدعوة. وبدأ يدعو الناس إلى اتباع السنة ونبذ البدع جهرا على رؤوس الأشهاد، وتأثر به بعض أهل حريملاء، فصاروا من أشد مناصريه ومساعديه، وبدءوا يحضرون دروس الشيخ ويستفيدون من مواعظه، وألف الشيخ "كتاب التوحيد" في هذه المدة2.
في العيينة سنة 1157 هـ/ 1744 م
خطت الدعوة خطواتها الأولى وحينذاك أحس الشيخ أنه من الصعب نجاح الدعوة في حالة الفوضى هذه. ففي كل ناحية أمير3 حتى في حريملاء نفسها قبيلتان تتناحران للرئاسة4، وفي مثل هذه الأحوال كان من الصعب اتخاذ أي خطوة مؤثرة.
__________
1 ذكر محمد حامد الفقي (ص: 51) أن الشيخ عبد الوهاب كان محايدا.
2 روضة الأفكار: 1 / 36.
3 نظرا للسهولة في الأمور الإدارية كانت البلاد تقسم في أربعة أقسام في العصر العثماني ولاية ولواء وقضاء وناحية. وكانت العارض من النواحي ذكرها الآلوسي باسم "ناحية العارض".
4 ذكرت في عنوان المجد (1: 9) فتنة بعض العبيد الذين كانوا يريدون قتل الشيخ. والكتب الأخرى التي ذكرت هذه القصة مأخذها في الغالب هو هذا.

الصفحة 36