كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

فصمم العزم على توحيد بلاد نجد كلها تحت راية واحدة، وكان يعرف كل المعرفة أنه ليس من السهل نشر الدعوة في البلاد القاصية والدانية في مدة قصيرة إلا بحماية أمير ذي قوى ونفوذ1، وهذه هي الأفكار التي دعته إلى مكاتبة أمير العيينة عثمان بن معمر.
ولما وجد الأمير مستعدا لقبول الحق انتقل بنفسه إلى العيينة، فأكرمه الأمير كل الإكرام وعظمه كل التعظيم، وتزوج الشيخ بجوهرة بنت عبد الله بن معمر فتوطدت العلاقات أكثر في الظاهر، ولكن الشيخ كان يحمل غاية وهدفا معينا ومحددا، فالعلاقات الشخصية والقبلية قد تكون وسيلة للوصول إلى ذلك الهدف والغاية، ولكنها ليست غاية. عرض الشيخ دعوته على أمير العيينة، وفسر له معنى التوحيد وطلب منه العون والمساعدة في هذه المهمة الجليلة.
وكلمات الشيخ هذه جديرة بأن تحفظ وتذكر:
"إني لأرجو إن أنت قمت بنصر لا إله إلا الله أن يظهرك الله تعالى، وتملك نجدا وأعرابها." 2 قدم هذا العرض إلى عثمان بكل صدق وإخلاص، ولكن مع الأسف لم يستطع أن يثبت على هذا فذاق عاقبته الوخيمة، وأخيرا انتقلت هذه النعمة من العيينة إلى الدرعية.
وعلى كل حال فقد وعد عثمان بن معمر بالمساعدة والنصر، واعتمادا على نصرته بدأ
__________
1 ولا يخفى على العاقل البصير أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار مع القوة المعنوية والحجج والبراهين. فإن أي دعوة إذا لم تكن لديها من القوة ما يحميها، ويذود عنها سرعان ما تتكالب عليها قوى الشر والطغيان حتى تستأصل خضراءها، وتظهر هذه الأهمية من قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز.} سورة الحديد: 25. وكذلك قوله تعالى: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} . (الإسراء: 81) قال قتادة: فيها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، فأكل شديدهم ضعيفهم, قال ابن كثير: وهو الأرجح، لأنه لا بد مع الحق من قهر من عاداه وناوأه.. وفي الحديث: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" (تفسير ابن كثير 2: 64) "مترجم".

الصفحة 37