كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

الشيخ الموقرة المبشرة فأحجم، ولكنه لم يستطع أن يصبر فأرسل إلى الشيخ مرة أخرى قائلا:
"إن سليمان أمرنا بقتلك، ولا نقدر على غضبه ولا مخالفة أمره؛ لأنه لا طاقة لنا بحربه، وليس من الشيم والمروءة أن نقتلك في بلادنا، فشأنك ونفسك وخل بلادنا1.
أرسل إليه هذه الرسالة وأخرجه من العيينة مع جندي يسمى فريدا الظفيري، وقصة هذا النفي محزنة مليئة بالعبر. حر صحراء العرب والشيخ يمشي أمامه راجلا ليس في يده إلا مروحة، ووراءه فريد راكبا على الفرس، وحسبما يروي ابن بشر كان ابن معمر أوعز إليه أن يقتله.
الشيخ يمشي ويردد قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} ولم يخاطب الجندي طول الطريق، ولما بسط يده ليقتله أمسكته قوة غيبية كما حدث هو بنفسه، وغلب عليه الفزع والهلع، وفر راجعا على أعقابه إلى العيينة. لقد أدهشته قوة الصدق ورأى حياته في خطر فعلا2.
في الدرعية سنة 58- 1157 هـ
توجه الشيخ إلى الدرعية بعد ما جاوز حدود ابن معمر، ووصل هناك وقت العصر، فنزل أولا في بيت عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم العريني، ثم انتقل إلى بيت أحد
__________
1 عنوان المجد 1: 10.
2 يظهر من هذه الرواية أن عثمان بن معمر قد تنكر للشيخ ودعوته، أو أنه لم يكن مخلصا في نصرة الدعوة، بل كان يرجو عرض الدنيا، ولكن هذه رواية تفرد بها ابن بشر، وسكت عنها الآخرون، ويقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار: إن ابن بشر أيضا قد رجع عن روايتها في المبيضة وأبطلها. "ففي كتاب (عنوان المجد) لابن بشرج 1 ص: 15 طبعة مطبعة الشبندر ببغداد سنة 1328 هـ التي أشرف على تصحيحها العلامة الشيخ محمد بن مانع ما نصه: (واعلم - رحمك الله - إني قد ذكرت في المبيضة الأولى أشياء نقلت لي عن عثمان بن معمر وفرسانه، وأنه أمر بقتل الشيخ في الطريق وغير ذلك، ثم تحقق عندي أن ليس لها أصل بالكلية فطرحتها من المبيضة) "محمد بن عبد الوهاب لأحمد عبد الغفور عطار- الطبعة الرابعة سنة 1392 هـ / 1972 م ص: 58" وبعد ما ثبت أن ابن بشر رجع عن رواية هذه القصة، فالظاهر أن ابن معمر لم ير في نفسه قدوة على الدفاع عن الشيخ ودعوته، فأحب أن ينتقل الشيخ إلى بلد آمن، ولما كانت القدرة الإلهية قد سجلت هذه المناقب للأمير محمد بن سعود وأولاده، اختار الشيخ الدرعية ونزل فيها. والله أعلم (المترجم) .

الصفحة 41