كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

وكان من أعظم أسباب فرح الأمير محمد بن إسماعيل1 أنه كان يظن نفسه منفردا في هذا الميدان. كما يظهر من شعره هذا:
لقد سرني ما جاءني من طريقه ... وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
وقد فرح الشيخ بقصيدة الأمير اليمني وتشجع بها، وأشار إليها في بعض رسائله2.
وقد خالف الشيخ أخوه سليمان بن عبد الوهاب (م سنة 1258 هـ) ، وكان قاضيا في حريملاء وخلفا عن أبيه، فألف رسائل في الرد عليه مملوءة بالأكاذيب وكما يقول
__________
1 كان الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني مجتهدا مطلقا إماما في عصره، ولد في ليلة الجمعة 15 جمادى الآخرة سنة 1099 هـ / 1687 م في كحلان، وتوفي في ليلة الثلاثاء 3 من شعبان سنة 1182 هـ / 1769 م. وقد تقدم ذكر رسالته الموجزة في التوحيد "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد" وسنذكرها فيما بعد أيضا. ولمؤلفاته يراجع بروكلمان, ملحق 2: 556 ولترجمته يراجع البدر الطالع 2: 133- 139 وعنوان المجد 1: 53- 56.
2 ابن غنام 2: 4 , 1: 56 , 58. هذا وقد أجاد الإمام الصنعاني في قصيدته وأحسن في عرض العقيدة الإسلامية الصحيحة والدفاع عنها ومدح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مدحا عظيما. وما أجمل هذه الأبيات:
قفي واسألي عن عالم حل سوحها ... به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله ... بلا صدر في الحق منهم ولا ورد
وما كل قول بالقبول مقابل ... ولا كل قول واجب الطرد والرد
سوى ما أتى عن ربنا ورسوله ... فذلك قول جل يا ذا عن الرد
وأما أقاويل الرجال فإنها ... تدور على قدر الأدلة في النقد
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ... ومبتدع منه فوافق ما عندي
لقد سرني ما جاءني عن طريقه ... وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
قد افترى بعض أعداء التوحيد قصيدة على لسان الإمام الصنعاني وأدخلها في ديوانه، وزعم أنه رجع عن هذه القصيدة. وقد احتوت هذه القصيدة المزورة وشرحها على أمور لا يتصور صدورها عن أي طالب علم فضلا عن إمام عظيم كالصنعاني. وذلك ككلامه عن أهل الردة مانعي الزكاة في عصر أبي بكر - رضي الله عنه - والمختار ابن أبي عبيد الثقفي والجعد بن درهم وإنكاره للإجماع. وزعم هذا المفتري أنه أكثر النقل عن الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم مع أن كلامه في النظم وشرحه مناقض تماما لما ذكره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله. وأما كلامه عن الوثنيات المنتشرة في بعض طوائف المسلمين فهو مخالف تماما لما ذكره الصنعاني نفسه في كتابه "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، وهو الذي يجعل الباحث المنصف يحكم بأن هذه القصيدة المزورة وشرحها لا تصح نسبتها إلى الإمام الصنعاني رحمه الله. فإن كان الصنعاني رجع عن القصيدة النجدية، فهل رجع عن دعوته ورسالته أيضا، وقد ناضل من أجلها طوال حياته؟.
ولو سلمنا أن الصنعاني رجع عن القصيدة النجدية وتأثر بتلك الشائعات والافتراءات التي كانت تذاع وتشاع عن دعوة التوحيد تنفيرا للناس، فهذا لا يضر شيئا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا دعوته، وذلك لأن دعوته مدعمة بالكتاب والسنة، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين الذين بعثوا للناس وإذا كانت الدعوة مستنبطة من الكتاب والسنة النبوية، فهي ليست في حاجة إلى تأييد العلماء، بل إن العلماء هم أنفسهم في حاجة إلى تأييدها ونصرتها، وهذا واجب يحتمه عليهم الإسلام. وللتفصيل في هذا الموضوع يرجع إلى كتاب "تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين" سليمان بن سحمان رحمه الله. هذا, وقد قام الأستاذ الفاضل أبو بكر زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي في بيروت بتحقيق القصيدة النجدية للإمام الصنعاني، وطبعها في صورة رسالة طبعة أنيقة جذابة فجزاه الله خير الجزاء. ولو أضيفت إليها قصيدة الدكتور الهلالي لصار النفع أعم وأتم. (المترجم)

الصفحة 48