كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

لاتباعه في المقاومة والدفاع، وحينذاك قام الأمير محمد بن سعود وإخوانه وأبناؤه ونكلوا بالمعاندين، واستمرت الحروب مدة طويلة. واستمرت المناوشات مع أمير الرياض دهام بن دواس إحدى وثلاثين سنة تقريبا. وما زالت القوتان تتحاربان من سنة 1159 هـ إلى 1187. وفي أواخر سنة 1187 هـ بلغ الخبر إلى ابن دواس أن عبد العزيز بن محمد بن سعود قد هجم على المدينة فترك البلد وولى هاربا واستولى الأمير عبد العزيز على الرياض قلب نجد استيلاء كاملا1.
وفي هذه المدة خرجت جيوش أخرى مجاورة إلى ميدان المبارزة، وشنت هجوما على مراكز أهل التوحيد، وغدر عثمان بن معمر حاكم العيينة مرارا2. ولما رأى الأعداء أن قوة الشيخ وأتباعه من أهل نجد لا تزال تزداد وتنموا يوما فيوما، التجئوا إلى استعمال الأساليب الدنيئة فاتهم سليمان بن محمد بن سحيم الشيخ بتهم، وافترى عليه مساوئ عديدة، وأرسل إلى مدن الخليج والأحساء وغيرها، وقد رد الشيخ على رسالة من هذه الرسائل ردا مفصلا، وسنتكلم فيما بعد في أنواع الافتراءات وأجوبتها. واشترك مع أدعياء العلم والعمل في هذه الافتراءات أصحاب العروش
__________
1 فلبي arabia ص: 13- 25.
2 وكان من هؤلاء الهاجمين عريعر بن دجين أمير الأحساء، وكان من ألد أعداء التوحيد، فكان يقتل كل من ظفر به من الموحدين، ويغير على مدنهم وقراهم كلما سنحت الفرصة. ولكن كل هذا لم يثلج صدره ولم يقر عينه، وكانت شعلة العداوة متأججة في قلبه، فرأى أن يهجم على الدرعية نفسها، ويتخلص من هذا الخطر الذي أقضّ مضجعه. خرج عريعر بن دجين في سنة 1178 هـ، وقد جمع كيده من كل ناحية واستنفر كثيرا من أهل القرى والمدن، وتوجه نحو مركز الدرعية في جيش ضخم، وكلما مر على قرية أو قبيلة قدموا له ولاءهم، وخرج كثير من أهل القلوب المريضة عن اتباع الشيخ والأمير محمد بن سعود لما رأوا هذه الجيوش الجرارة وعدتهم وعتادهم ظنوا أن الدرعية سوف تنقلب إلى أساطير بين عشية وضحاها. وصل عريعر إلى الدرعية وحاصر المدينة حصارا كاملا. وطال الحصار، ولكن المدينة كانت محصنة ماديا ومعنويا. فالذين كانوا يدافعون عنها ما كانوا يدافعون عن مدينة واحدة، ولكنهم كانوا يدافعون عن العقيدة التي هي قوام حياتهم ومفتاح نجاحهم، وكانوا يستميتون في سبيل الله. فكانت الجنود المرابطة في أبراج السور تقضي على كل من تجرأ على التقدم نح المدينة، واستمر هذا الحصار عشرين يوما أو أكثر، وأنزل الله الرعب والفزع في قلب العدو فجزع وجبن وولى خائبا خاسرا، ونجت الدرعية ونجا أهلها من شرهم والحمد لله أولا وآخرا (المترجم) .

الصفحة 51