كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

ارتدوا رداء دعاوى باطلة كالمهدوية أو المسيحية. وكانت نتيجة لازمة لهذا أنهم ألحقوا أضرارا جسيمة بالإسلام بدلا من أن يفيدوه. ولكن تعليمات شيخ الإسلام وأتباعه بعيدة كل البعد من هذه التوهمات المردية والأخطار المهلكة، وإني أعتبر هذا نجاحا باهرا لهذه الدعوة، وقد حاول بعض أدعياء العلم1 نسبة بعض التهم من هذا القبيل إليهم، ولكن أتباعه وخلفاءه كانوا معلنين ومخلصين في عقيدتهم، ولذلك لم تضرهم هذه الافتراءات شيئا.
ومع أن الأعداء بذلوا جهودا عظيمة ولكن كل جهودهم ذهبت أدراج الرياح، ولم ينجحوا في إخراج أي تهمة من مؤلفات داعية التوحيد في البلاد النجدية ورسائله. فكتبه واضحة كما أن الواحد مع الواحد يساوي اثنين، وهي تشهد على جرأة مؤلفها وصدقه.
وعلى سبيل المثال اقرأ كتاب التوحيد كاملا من أوله إلى آخره لا تجد فيه أي غموض، ولا تجد أدني شائبة من التصوف والتوهمات والأبحاث البعيدة التي لا طائل تحتها، ولا ترى فيه أي أثر للاستدلال الفلسفي ولا السفسطة اليونانية، فهو بعيد كل البعد من كل هذه الترهات.
مزية أخرى:
كان محمد بن عبد الوهاب عالما محضا، ولكن كان ذا نظر ثاقب بعيد المدى، لقد شاهد ثمرات2 دعوته في حياته ثمرات دنيوية وثمرات دينية. فقد فتحت بلاد نجد
__________
1 تراجع "الدرر السنية" ص: 46 لأحمد زيني دحلان.
2 لقد ذكر ابن بشر أن الشيخ كان يحمد الله حمدا كثيرا، ويشكره على تلك النعم العظيمة التي أسداها إليه ربه من العلم والفضل والورع، والقيام بتصحيح عقائد المسلمين، والنجاح في هذه المهمة العظيمة، وكان كثيرا، ما كان يلهج بقوله تعالى: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين" ويتمثل بهذه الأبيات:
بأي لسان أشكر الله إنه ... لذو نعمة قد أعجزت كل شاعر
حباني بالإسلام فضلا ونعمة ... علي وبالقرآن نور البصائر
وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل ... عليها اعتقادي يوم كشف السرائر
وليس معنى هذا أنه كان يأخذ عقيدته من تقليد ابن حنبل - رحمه الله - ولكن الإمام ابن حنبل صار رمزا وعلامة لعقيدة أهل السنة والجماعة بسبب تلك المواقف العظيمة التي وقفها عند الفتن والانحرافات، حينما زلت أقدام كثير من أهل العلم والفضل، فعقيدة أحمد بن حنبل هي عقيدة جميع الأئمة والعلماء من الأولين والآخرين- والحمد لله - فإن الأئمة - رحمهم الله - لم يختلفوا في شيء من أمور العقيدة, فهم كلهم على عقيدة الصحابة والتابعين التي تعلموها من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وإنما اختلاف الأئمة في الأمور الفرعية. وكان من أهم أسباب اختلافهم أن بعضهم لم تبلغه بعض الأدلة مع أنها قد وصلت إلى غيره؛ ولذلك أكدوا كلهم أشد التأكيد على تلامذتهم على أن يكون همهم اتباع الدليل من الكتاب والسنة، ويضربوا بقولهم عرض الحائط إذا وجدوه خلافا لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". وقال: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه. وقال: ((حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي؛ فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا)) . وكذلك قال: ((إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول فاتركوا قولي)) . وقال الإمام مالك رحمه الله: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه". وكذلك قال: "ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم". وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد". وقال الإمام أحمد رحمه الله: "لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا" (راجع كتاب "صفة صلاة النبي" للمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني) . ولكن الأسف كل الأسف على المتأخرين من الاتباع والذين انحرفوا عن طريقة الأئمة، وأعرضوا عن أقوالهم هذه، وصاروا يتبعون أهواءهم ويتسترون بالأئمة، فقالوا أقوالا وعملوا أعمالا نسبوها إلى الأئمة مع أنهم برآء منها، فإلى الكتاب والسنة أيها المسلمون! - فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا. (المترجم) .

الصفحة 55