كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

أجد له ذكرا في كتب التراجم ولكنني عرفته بطريقة عجيبة، وهي أنني ذهبت إلى وطني في شوال سنة 59 "اوجاوان- بتنة" وبدأت أستعرض بعض الكتب البالية في مكتبة بيتي، فعثرت على نسخة من كتاب "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان"، وكان مكتوبا في الصفحة الأولى من الكتاب بخط عربي خالص:
"في ملك الحقير الفقير إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد النجدي الحنبلي عفا الله عنهم".
ولا تسأل عن فرحي واغتباطي حينذاك-! وبعد تصفح بعض الأوراق وجدت ملاحظة طويلة مكتوبة بنفس الخط تدل على غزارة علمه وتوجد ملاحظة أخري موجزة في وسط الكتاب أيضا، ويوجد ختم في بداية الكتاب تحت الاسم وتقرأ منه فقط كلمة "إسحاق " بوضوح.
ولا أدري كيف وصل هذا الكتاب إلى بيتي؟ والغالب أن جدي "من الأم" الشيخ عبد الصمد (م سنة 1318 هـ) كانت له علاقة به، لأن الشيخ عبد الصمد كان من علماء أهل الحديث الأفاضل، وكانت له علاقات وطيدة أخوية مع أشهر علماء أهل الحديث في زمانه، وبعد البحث والتنقيب تبين لي أن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن كان قد سكن في الهند، واستفاد من الشيخ السيد نذير حسين الدهلوي1 (م سنة 1320 هـ) .
__________
1 هو العلم الشامخ والحبر الكامل مجدد السنة النبوية في القارة الهندية السيد نذير حسين بن جواد علي بن السيد أحمد شاه الدهلوي، ويصل نسبه إلى علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بعد أربعة وثلاثين جيلا، ولد في قرية "بلتهوا" من ولاية بيهار في الهند سنة 1220 هـ، ونشأ في صغره على حب الفروسية والسباحة، ثم تعلم شيئا من الأمور الابتدائية على والده، ثم انتقل إلى "بتنة" عاصمة العلم في ولاية بيهار، والتقى هناك بزعماء حركة التجديد والإصلاح الإمامين الشهيدين أحمد بن عرفان، والعلامة محمد إسماعيل - رحمهما الله -، فازداد شوفا إلى العلم وحماسا للدفاع عن الإسلام، فأراد أن يسافر إلى دلهي عاصمة الحكومة والعلم في ذلك الزمان، فخرج من بتنة سنة 1337 هـ، وسنه إذ ذاك سبع عشرة سنة مع رفيق له، فكانوا يمشون على أرجلهم بسبب قلة الزاد وعدم المركب، فاضطروا على الوقوف والمكوث في المدن في الطريق عدة مرات، فمكث مدة في بناس وكذلك في الله آباد وغيرهما، حتى وردوا مدينة دهلي بعد ست سنوات، وذلك في سنة 1243 هـ, فدرس أولا على عدة أساتذة، ثم انتقل إلى حلقة الشيخ إسحاق الدهلوي خليفة الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي, ولازمه مدة ثلاثة عشر عاما. وكان مع ملازمته لأستاذه كثير المطالعة واسع المعلومات، ولما سافر شيخه إلى مكة سنة 1258 هـ خلفه في التدريس، ودرس العلوم المختلفة إلى سنة 1270? ثم تخصص لتدريس علوم القرآن والسنة فقط، فلم يزل يدرس العلوم الشرعية قرابة خمسين عاما ولقب بشيخ الكل. درس عليه آلاف من جهابذة العلم وزعماء الدعوة الإسلامية، أمثال العلامة المحدث عبد الرحمن المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي، والشيخ شمس الحق العظيم آبادي صاحب عون المعبود، والشيخ محمد بشير السهسواني صاحب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان، والشيخ ثناء الله الأمر تسري فاتح قاديان، وغيرهم خلق كثير. ولقد انتشرت أنواره العلمية فعمت بلاد الشرق كلها، ودرس عليه من نجد الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ علي بن القاضي، والشيخ عبد الله بن سعد بن عبد العزيز مد يهش، والشيخ سعد بن عتيق وغيرهم. ومن السودان الشيخ عبد الله بن إدريس الحسيني، وعدد كبير من أبناء كابل وياغستان وبخارى وسمرقند وغزنة وقندهار وخوقند والحبشة وغيرها. ولا شك أن الشيخ نذير حسين الدهلوي - رحمه الله - هو مجدد السنة النبوية في القارة الهندية وغيرها، فانتشر تلامذته في جميع البقاع حاملين لواء التوحيد والسنة، وعددهم لا يحصى، وعدد مؤلفاتهم لا يحصر, وفتحوا مئات المدارس، وقاموا بحركة إسلامية صحيحة لا يوجد لها نظير إلا نادرا، وإن آثار التوحيد واتباع السنة النبوية التي نراها في القارة الهندية في هذه الأيام في كل ذلك يرجع الفضل إلى هذا الإمام العظيم. وقد عذب كثيرا في سبيل نشر التوحيد والدعوة إلى السنة النبوية، فسجن في راولبندي سنة 1864 م بتهمة الوهابية وبقي في السجن مدة سنة كاملة، وسافر إلى الحج سنة 1300 هـ، فسعى النمامون إلى الباشا في مكة المكرمة، فاتهمه أعداء التوحيد بأنه وهابي ومعتزلي، ويبيح شحم الخنزير ونكاح العمة والخالة، وقدموا إليه رسالة باسم "جامع الشواهد في إخراج الوهابيين من المساجد"، ولكن الباشا لما علم بحقيقة الحال أكرمه أيما تكريم ورجع الأعداء خائبين. توفي الشيخ نذير حسين الدهلوي - رحمه الله - في يوم الاثنين شهر رجب سنة 1320 ـ / أكتوبر 1902 م بعد ما عمر مائة سنة. لم يشتغل الشيخ في تأليف الكتب؛ لأنه كان مهتما بتأليف الرجال، فخرج الفطاحل الذين لا تعد ولا تحصى مؤلفاتهم، وقد ألف كتابا واحدا وهو "معيار الحق" بين فيه أهمية السنة النبوية، ودعا إلى اتباع القرآن والسنة، وترك الخلافات والتعصبات التى أنهكت المسلمين, وله بعض الفتاوى في ثلاثة مجلدات وهي مطبوعة متداولة "يرجع إلى تراجم علماء حديث هند ص: 136 , وهندوستان مين أهل حديث كي علمي خدمات ص: 21 للنوشهروي, وتاريخ أهل حديث ص: 417 للشيخ محمد إبراهيم مير سيالكوتي" (المترجم) .

الصفحة 65