كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

ولما ورد بغداد قال له أحد كبار علماء الحنفية كيف تصاحب هذا الرجل وهو يطعن في مذهب أبى حنيفة - رحمه الله -، وقد انتقده أستاذنا الكوثري؟ فقال له مسعود عالم رحمه الله! إليك عنى أنا أعلم به منك ومن الكوثري.
ولكن هذا النقص أبى الله إلا أن يرفعه عنه قبل وفاته، فإنه كان - رحمه الله - أحد رؤوساء الجماعة الإسلامية التي يرأسها الأستاذ الزعيم المودودي. فلما قبضت الحكومة الباكستانية على المودودي قبضت عليه، وبقي سنين في السجن، فلم يجد سبيلا إلى التأليف، فعكف على نيل الأوطار للشوكاني، فتبين له أن التعصب للمذهب لا يرضاه الله تعالى، ولا يرضاه السلف الصالح، ومنهم الإمام أبو حنيفة نفسه، فرجع عن التعصب واتبع الكتاب والسنة ومات على ذلك. رحمة الله عليه.
وأما قول ذلك العالم الحنفي: أنني أطعن في مذهب أبي حنيفة فهو فرية بلا مرية. فإنني لا اختلف مع أبي حنيفة - رحمه الله - حتى أطعن فيه؛ لأن الاختلاف الذي يوجب العداوة إنما يكون في العقائد لا في الفروع، وأبو حنيفة رحمه الله لا يخالف عقيدة السلف من الصحابة والتابعين، وسائر الأئمة المجتهدين مثقال ذرة. فأنا لا أطعن في مذهبه أبدا. أما مخالفته في الفروع فإن كانت تعد طعنا فأول طاعن في مذهبه محمد وأبو يوسف، فقد خالفاه في ثلث المذهب، وقيل: في ثلثي المذهب.
وإذا كان الفضل في إخراج هذه الدرة الثمينة يرجع إلى تلميذي مسعود عالم الندوي، فإن الفضل في إخراجها من عالم العجمية إلى عالم العربية يرجع إلى تلميذي عبد العليم بن عبد العظيم المتخرج في الجامعة الإسلامية في السنة الماضية. وهو الأول من بين تلامذة الجامعة كلهم، وهو الآن من طلاب الدراسات العليا في جامعة الملك عبد العزيز بمكة. فقد ترجم ترجمة فصيحة طيبة، وأطلعني عليها، وقرأها من أولها إلى آخرها، فأشرت عليه بتحسين بعض الألفاظ، فجاء هذا الكتاب جوهرة نفيسة، وتحفة لا تقدر بثمن، خصوصا وقد زينه المترجم بحواشي عديدة، تكملة لبحث ناقص، وإيضاحا لشيء غامض، وأنا أقترح على سماحة رئيسنا الجليل الأستاذ عبد العزيز بن باز أطال الله بقاءه، وأدام في سماء المعالي ارتقاءه أن يقرأ هذا الكتاب، وأن يأمر بطبعه ونشره لتعم فائدته جميع طلاب العلم من المسلمين وغيرهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أملاه ضحوة يوم الجمعة الحادي والعشرين من صفر سنة 1394 هـ.

الصفحة 7