كتاب معجم المعاجم (اسم الجزء: 1)

معاجم غريب القرآن
بدأت المعجمية العربية انطلاقا من غريب القرآن، وكان ذلك من وقت باكر يعود إلى عهد الخلفاء الراشدين، وتنبئ بتلك البداية المبكرة أخبار موثوقة منها ما أورده السيوطي في الدر المنثور (ج 6 ص 317) فقال:
«أخرج أبو عبيد في فضائله، وعبيد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال:
سئل أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه عن قوله تعالى:
وَ أَبًّا فقال: أي سماء تظلني؟ وأي أرض تقلني؟ إذا قلت في كتاب اللّه ما لا أعلم».
وجاء في الإتقان (ج 1 ص 113) برواية عن أنس في هذا الشأن تقول:
«إن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكليف يا عمر».
وفي الجامع لأحكام القرآن (ج 10 ص 110) واقعة أخرى مما نحن فيه أخبر بها سعيد بن المسيب فقال:
«بينما عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه على المنبر قال: يا أيها الناس، ما تقولون في قول اللّه عزّ وجلّ:
أَوْ يَاخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ؟ فسكت الناس، فقال شيخ من بني هذيل: هو لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوف التنقص، فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه:
تخوف الرحل منها تامكا قردا ... كما تخوف عود النبعة السّفن

فقال عمر: يا أيها الناس، عليكم بديوانكم شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم».
وأشكل على عبد اللّه بن عباس، وهو الملقب بترجمان القرآن غير كلمة من الكلم القرآنية، ويورد السيوطي في الإتقان (ج 1، ص 113) نقولا تحكي عنه أنه قال مرة:
«كل القرآن أعلمه إلا أربعا: غسلين، وحنانا، وأواه، والرقيم».
وقال مرة أخرى:
«لا واللّه ما أدري ما حنانا».
وقال ثالثة:
«ما أدري ما الغسلين، ولكني أظنه الزقوم».
وهو كان ينتظر بما أشكل عليه حتى يستخرج معناه من كلام عربي يوثق بعربيته، ويأتي السيوطي في الإتقان (ج 1، ص 113) بروايتين تحكي إحداهما عنه أنه قال:
«كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول أنا ابتدأتها».
وتحكي الأخرى عنه نظير ذلك فتقول:
«قال ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ حتى سمعت قول بنت ذي يزن: تعال أفاتحك، تريد أخاصمك».
وفيما ذكرت وما لم أذكر من أمثال الأخبار السابقة ما يشهد على أن الكلام في غريب القرآن ظهر منذ البكور، ولم يتريث قليلا ولا كثيرا.
وقد كان عبد اللّه بن عباس (3 ق ه - 68 ه) هذا الذي لقب حبر الأمة وترجمان القرآن الرائد الجري ء في البحث عن غريب القرآن والتنقير عن معانيه، والاستشهاد عليه بالأشعار، والتصدي لإجابة السائلين

الصفحة 5