كتاب معجم المعاجم (اسم الجزء: 1)

فيما جهلوه منه بسعة معرفة ورحابة صدر.
ومما انتهى إلينا من أخباره في ذلك ما أجاب به في المسائل التي تحداه بها الزعيم الخارجي نافع بن الأزرق، والتي أورد السيوطي حكايتها في الإتقان (ج 1، ص 120) وما بعدها فقال:
«بينما عبد اللّه بن عباس جالس بفناء الكعبة، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن، قال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر: قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به، فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب اللّه فتفسرها لنا وتأتينا بمصداقها من كلام العرب، فإن اللّه إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما ... ».
وكان من جملة ما سأله فيه نافع أن قال:
«أخبرني عن قوله تعالى: ... جَدُّ رَبِّنا ...
قال: عظمة ربنا، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا ... فلا شيء أعلى منك جدا وأمجد»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا ... قال: رحمة من عندنا، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت طرفة بن العبد يقول:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... وَ رِيشاً ...
قال: الريش المال، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... زَنِيمٍ ...
قال: ولد الزنى، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: أما سمعت قول الشاعر:
زنيم تداعاه الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً ... قال: القاع الأملس، والصفصف المستوي، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: أما سمعت الشاعر يقول:
بمطمومة شهباء لو قذفوا بها ... شماريخ من رضوى إذن عاد صفصفا»

«قال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: ... عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ... قال: العزون حلق الرفاق، قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول:
فجاءوا يهرعون إليه حتى ... يكونوا حول منبره عزينا»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... فَتِيلًا ... * قال: التي تكون في شق النواة، أما سمعت قول النابغة:
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ... ثم لا يرزأ العدو فتيلا»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... مِنْ طِينٍ لازِبٍ ... قال: الملتزق، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول النابغة:
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ ... قال: النهر السعة، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها»

«قال: أخبرني عن قوله تعالى: ... وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ... قال: الوسيلة الحاجة، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلي وتخضبي»

ثم تمادى يسأله حتى انتهى عند نيف وثمانين مسألة كان ابن عباس يجيبه فيها مفسرا ومستشهدا على ما يقوله فيها بالأشعار.
لقد عنى ابن عباس رضي اللّه عنه بهذا الشأن حتى

الصفحة 6