كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

ثم فتح المسلمون مكة، وأذعن اهلها للإسلام، ودخلوا في دين الله طائعين
أو مكرهين، وبالتالي دخلت الجزيرة كلها في الإسلام، وتوحدت دينيا وسياسيا،
وأصبحت المدينة عاصمة لها دون منازع، وبعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم - ارتدت
الأطراف، وتمرد العرب، ولم يبق على الإسلام إلَّا المدينة ومكة والطائف،
وجاهد الخليفة الأول - أبو بكر الصديق رضي الله عنه - حتى أعاد الجزيرة الى
حظيرة الإسلام، واعاد للمدينة المنورة مكانتها ومنزلتها في النفوس.
ثم كانت خلافة عمر - رضي الله عنه - وفيها امتد سلطان المدينة المنورة
إلى خارح الجزيرة، فلم تكن المدينة عاصمة للجزيرة فقط، ولكنها كانت
كذلك عاصمة! بر وأوسع دولة عرفها التاريخ حين ضمت دولة الإسلام بلاد
الفرس وبلاد الروم تحت سلطة خليفة المسلمين.
وكانت حدود الدولة الإسلامية حينئذ على النحو الاتي:
من الشمال بحر قزوين واذربيجان، ومن الجنوب المحيط الهندي وبحر
العرب.
ومن الشرق بحر عمان ومكران وسجستان، ومن الغرب البحر المتوسط
ومصر وبلاد النوبة (1).
وفي عهد عثمان - رضي الله عنه - اتسعت رقعة الدولة، وانضمت بلاد
شمال أفريقيا حتى تونس إلى الدولة الإسلامية، ووصلت جيوس المسلمين فى
الشمال الشرقي إلى طبرستان، كما دانت بلاد ما وراء النهر لسلطة المدينة
المنورة.
ومن هذا العرض السريع نرى مدى ما وصلت إليه سلطة الخليفة قي
المدينة المنورة، ونقف على مدى ما كانت تتمتع به من السلطة السياسية على
هذه الرقعة الفسيحة التي لم يسبق لدولة من الدول، ولا لأمة من الأمم أن
حكمت مثلها.
وآلت الخلافة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكان ذلك بعد
__________
(1) موسوعة المدينة المنورة التاريخية (3/ 157).
12

الصفحة 12