كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

الفتنة، وفي اعقاب مقتل الخليفة - عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وكانت
الأمور قد تشعبت على المسلمين، ودوت اصداء الفتنة في أنحاء الدولة،
فكان في البصرة تجمع للمطالبة بدم عثمان، كذلك كان في الشام إلحاج
للمطالبة بالقصاص من قتلته، ووجد الخليفة نفسه وهو في المدينة بعيدا عن
مواقع الأحداث فقرر نقل مقر الخلافة إلى العراق، وإلى الكوفة بالذات.
والذي يظهر من استقراء الأحداث ان الخليفة - رضي الله عنه - اتخذ هذا
القرار تحت ضغط ظروف سياسية خارجة عن إرادته نلخصها فيما ياتي:
1 - إن عليا كان يرى أنصاره واعوانه بالعراق، ويرى أنهم هم الذبن سيقفون
وراءه، وبخاصة بعد أن قعد عن الخروج معه كبار الصحابة المقيمون بالمدينة.
2 - كان علي يرى ان اهل الشام سيئبون على العراق، وانه لا بد ان يكون
قريبا منهم حتى يردهم إذا وثبوا.
3 - إن عليا كان يرى ان من حقه إخضاع الخارجين عليه، بالإقناع او بالحرب،
وقد خرح عليه طلحة والزبير، وتحصنا بالبصرة، فراى ان يتخذ الكوفة
مقرا له، وبخاصة وان فيها المال والرجال الذين سيكونون معه على اعدائه.
تلك هي الأسباب التي دعت عليا- رضي الله عنه - إلى ترك المدينة،
واتخاذ الكوفة عاصمة له. وإنني اعتقد ان عليا لم يكن ليترك المدينة، ويتخذ
الكوفة عوضا عنها لمجرد الأسباب المذكورة فقد كان يستطيع ان يجرد
الجيوس من اهل العراق، ويولي عليهم الأمراء والقواد وهو مقيم بالمدينة،
وقد كان الخلفاء من قبله يفعلون ذلك.
ولهذا فإنني واثق ان وراء خروج الخليفة من المدينة، واتخاذ الكوفة
مقرا للخلافة، ضغوطا قوية، لم يقو الخليفة على مقاومتها، واتخاذ موقف
حاسم بالنسبة إليها، وكان على راس هذه الضغوط الضغط المباشر الذي قام
به قتلة عثمان - رضي الله عنه - حيث لم يكن من مصلحة احلاس الفتنة بقاء
الخليفة في المدينة، لأن المسلمين كانوا قد عرفوا قتلة عثمان، وكانوا ينظرون
إليهم على انهم متمردون قتلة، لا يستحقون من المسلمين إلَّا الهوان
13

الصفحة 13