كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

والاحتقار، وقد شعر هؤلاء بان المسلمين يتحينون الفرص للانتقام منهم،
والأخذ بثار عثمان من رقابهم.
فكان عليهم إذا أن يخرجوا الخليفة من مقره المالوف، ليبتعدوا عن
أعين المسلمين أولآ، وليدفعوا الخليفة إلى حيث لا يمكنه القصاص منهم إذا
طالبه المسلمون بذلك ثانيا، ويؤيد ذلك ما ياتي:
1 - من المعلوم أن الفتنة التي أودت بحياة عثمان بن عفان - رضي الله عنه-
كان يتزعمها عبد الله بن سبا، وكان هذا يدير كل العمليات المنحرفة عن
طريق أعوانه، ولم يكن أحد في المدينة من أعوانه، فكان لا بد أن يعمل
جاهدا على نقل الخلافة إلى مكان له فيه أعوان يساعدونه على تنفيذ
مخططاته الإجرامية.
2 - إن مالك بن الحارث (الأشتر النخعي) من أكبر أعوان ابن سبا، وهو من
الكوفة، بل هو قاتد حملة الكوفة التي اشتركت في قتل الخليفة، لهذا
أقنع أمير المؤمنين - عليا- رضي الله عنه - بان ينقل مقر الخلافة إلى
الكوفة، وأفهمه بان فيها المال والرجال.
3 - وقد ثبت أن مالك بن الحارث هذا كان يحرض عليا على إجبار الصحابة
على السير معه إلى العراق، فإنه لما اعتذر سعد بن ابي وقاص، وعبد الله
ابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، لما اعتذروا عن الخروج
مع علي إلى العراق، دخل عليه مالك فقال:
يا أمير المؤمنين، إنا وإن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا من
التابعين لهم بإحسان، وإن القوم وإن كانوا أولى بما سبقونا إليه، فليسوا
باولى مما شاركناهم فيه، وهذه بيعة عامة، الخارح عنها طاعن مستعتب،
فحضق هؤلاء الذين يريدون التخلف عنك باللسان، فإن أبوا فأدبهم
بالحبس (1).
__________
(1) الدينوري: الأخبار الطوال، ص 3 4 1.
14

الصفحة 14