كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

ويبدو ان الثوار قد استطاعوا إقناع الخليفة بخطتهم، ليحيطوا به من كل
جانب، ولا يدعون فرصة للمخلصين ليقدموا مشورتهم ورايهم له، ولهذا لما
اجتمع كبار الصحابة من الأنصار، ودخلوا على امير المؤمنين، وتكلم عقبة بن
عامر البدري فقال:
يا امير المؤمنين، إن الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله-
- صلى الله عليه وسلم - والسعي بين قبره ومنبره، اعظم مما نرجو من العراق، فإن كنت إنما
تسير لحرب الشام، فقد أقام عمر فينا، وكفاه سعد زحف القادسية، وأبو
موسى زحف الأهواز، وليس من هؤلاء رجل إلَّا ومثله معك، والرجال
والأيام دول.
كان من المنتظر ان تؤثر هذه الكلمة الطيبة، التي تهز الوجدان، وتحرك
العاطفة، وتجعل القلب يحن حنينا إلى البقاء في المدينة، كان من المنتظر أ ن
تعيد إلى الخليفة فكرة البقاء في المدينة، والتشبث بمقر الخلافة، ولكن
المتمردين كانوا قد سبقوا إلى قلب الخليفة وحركوه لينطلق نحو العراق،
ولهذا كان رد علي على هذه الكلمة الرقيقة ان قال:
إن الأموال والرجال بالعراق، ولأهل الشام وثبة احب ان اكون قريبا
منها (1).
ومن هذا نستطيع ان نقول إن الخليفة قد قرر قرارا لا رجعة فيه بنقل
مقر الخلافة من المدينة إلى العراق، وإلى الكوفة بالذات.
وبهذا التحول من المدينة إلى الكوفة، فقدت المدينة مركزها السياسي
والاقتصادي.
__________
(1) الدينوري: الأخبار الطوال، ص 3 4 1.
15

الصفحة 15