كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

أثر تحول مقر الخلافة إلى الكوفة
كانت المدينة قبل هذا التحول قبلة انظار المسلمين في مشارق الأرض
ومغاربها فكانت الأوامر تصدر منها إلى الجهات المختلفة، وكان الأمراء
والولاة يفدون إليها، كما كان القواد يتلقون منها اوامر الخليفة فيما يخص
الحرب والسلم، وكانت القيادة العليا للجيش، تنظم الجيوس وتعد السرايا،
وتبعث بها شرقا وغربا، تفتح الأرض، وتنشر السلام، وتتصدى للطغاة، وتذل
المتجبرين.
وكان الاكاسرة والقياصرة يرسلون رسلهم إلى المدينة، يخطبون ود
الخليفة، وينتظرون رد رسائلهم، وظلت المدينة تتمتع بهذا النفوذ السياسي
خمسة وثلاثين عاما، حتى كانت الفتنة، وتحول الخليفة طوعا او كرها إلى
الكوفة، وهنا بدات المدينة تفقد مكانتها السياسية.
وتوجهت الأنظار التي كانت تتلفت إلى المدينة نحو الكوفة، حتى
أصبحت مقصد الناس تهوي إليها قلوبهم، وترقبها بشغف افئدتهم، وكيف لا
وهي مقر الخلافة، وأضحت مصدر أوامره ونواهيه، وفيها تنظم الجيوس،
وتنطلق منها غازية، وإليها ترفع احوال الرعية، وتقصدها الوفود من انحاء
الدولة، وهكذا احتلت الكوفة مكانة المدينة السياسية.
لقد كان نقل العاصمة الإسلامية من المدينة إلى الكوفة خطا سياسيا،
وقع في ظروف غير طبيعية، ولو كانت الظروف التي تولى فيها الخليفة الرابع
17

الصفحة 17