كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

امر المسلمين ظروفا عاذية، لما عدل عنها ولاتخذها مقرأ له كما فعل
أسلافه - رضوان الله عليهم -.
إن العلاقة بين المسلمين عامة وبين مقر خليفتهم علاقة روحية، ولم
يكن الارتباط بين المسلمين وبين المدينة إلَّا على هذا النحو، لأن الرسول
- صلى الله عليه وسلم - قد اضفى عليها قدسية لم تتوفر لغيرها، فالصلاة في مسجدها تعدل الف
صلاة، والصبر على لأوائها جزاوه شفاعة رسول الله، والبركة في صاعها
ومدها حاصلة بدعاء رسول الله، وهي كلها حرم امن، لا يقطع شجره ولا
يصاد صيده، ولا يختلى خلاه (1).
ونحن نلاحظ ان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة، وهي القرية التي ولد
فيها، وتربى على ارضها وابتدا نزول الوحي في جنباتها، وهي التي قال فيها
كلمته المأثورة: يا مكة، الله يعلم إنك لأحب البلاد إلي، ولولا أن اهلك
اخرجوني ما خرجت، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحبها حبا شديدا، حتى ظن الأنصار أنه
إذا فتح مكة سيتحول! إليها ويتخذها ا عاصمة له، ولكنه - عليه الصلاة والسلام -
لم يفعل، وبقيت المدينة عاصمة للدولة الإسلامية.
وكثيرا ما تضطر بعض الدول لتغيير عواصمها، ويكون الداعي إلى ذلك
وضعها الجغرافي، كان تكون على شاطىء بحر او محيط، كما كانت كراتشي
عاصمة باكستان الأولى، أو تكون على حافة صحراء ويخشى غزوها من
العدو، ولكن المدينة لم تكن كذلك.
إن تحول الخلافة عن المدينة أحدث في نفوس المسلمين ثغرة لا يسدها
شيء، ومهما كان مركز الحاصمة الجديدة، ومهما يكن من ثرائها وقوتها، فإن
ذلك لن يعوض المسلمين عما فقدوه من المكانة الروحية، لمجا ارتبطت
قلوبهم بها.
ولعل الخليفة أراد التحول عن العاصمة موقتا، حتى تخمد الفتنة،
__________
(1) نقلأ عن الجزء الثالث من الموسوعة، ص 163.
18

الصفحة 18