الحق ان النظر في نتائج الغزوة يثبت ان المشركين لم يحققوا شيئا ولو
يسيرا من غايتهم.
فهم وإن قتلوا سبعين من المسلمين مقابل من قتل منهم يوم بدر، غير أن ذلك
لم يحقق لهم الأخذ بالثار حسبما تعارفوا عليه، فالثار لا يهدأ إلا إذا قتل الموتور ند
قتيله، والمشركون كانوا يرون ان انداد قتلاهم يتمثلون في القيادة الإسلامية، رسول
الله -لمجي! - ووزيريه - أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -.
والذي يؤكد لنا ذلك ان أبا سفيان بعد انتهاء المعركة، نادى في
المسلمين: أفيكم محمد، افيكم ابن ابي قحافة، افيكم ابن الخطاب؟؟
وهو بهذا يريد ان يطمئن، فإن كان هناك ما يدل على قتلهم يكون قد
اخذ ثأره وإلا فإن الثار لا يزال مطلوبا ما دام هؤلاء احياء،
واما القضاء على الإسلام، فإن ذلك لن يتحقق إلا إذا قضي على
المسلمين جميعا وذلك ما لم يصلوا إليه، فالقيادة الإسلامية لا زالت شامخة،
والعقيدة لم تزل في القلوب راسخة، وبذلك يكونون قد اخطأوا الهدف الثاني
من اهداف المعركة.
وبقي الهدف الثالث، والحق أنهم كانوا حريصين عليه حرصا لا يقل عن
حرصهم على تحقيق الهدفين السابقين، لأن حياة قريش واهل مكة كانت قائمة
على التجارة وكانت تجارتهم إلى الشام صيفا، وإلى اليمن شتاء، واستطاع
المسلمون ان يقطعوا عليهم طريق الشام، وقد اثر ذلك في وضعهم الاقتصادي
تاثيرا سيئا حتى قال صفوان بن أمية: إن محمدا وأصحابه قد عوروا علينا
تجارتنا، فما ندري كيف نصنع باصحابه وهم لا يبرحون الساحل؟ وأهل
الساحل قد وادعوهم، ودخل عامتهم معهم.
فما ندري اين نسكن؟ فإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رووس اموالنا، فلم
يكن لها من بقاء، دمانما حياتنا في مكة على التجارة إلى الشام في الصيف
وإلى الحبشة في الشتاء (1).
__________
(1) المغازي للواقدي (1/ 197) والمراد بالحبشة اليمن لأن حكمها كان خاضعا لبلاد الحبشة.
188