كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

هكذا عالج القرآن الكريم الحالة النفسية لجيش كادت الهزيمة ان تحطم
معنوياته، وأن تقضي على مقوماته، فاستعاد قوته، واسترد عزيمته، واصبح
قادرا على مواجهة عدوه.
وبقي لهؤلاء وأولئك أن يحصلوا على عفو من رسول الله - لمجيك - لكي
تطيب نفوسهم وتهدا قلوبهم، ذلك لأن الرسول -! ير - هو وحده الذي تحمل
نتيجة تلك الأخطاء، فقد شج راسه الشريف، وكسرت رباعيته، ودخلت
حلقتان من المغفر في وجنتيه، وسال الدم على وجهه الكريم.
لهذا كان حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على عفو رسول الله عنهم
لتتم بذلك سعادتهم الروحية، وتنحل عقدهم النفسية، وترتاج ضمائرهم من
مطاردة الذنب لهم.
من اجل هذا أمر الله - عز وجل - نبيه -! ير- بان يعفو عنهم، وحث
على الاستغفار لهم، بل كان ما هو اكثر من ذلك، حيث رد لهم اعتبارهم،
وجعلهم موضع ثقة وأهلا للاستشارة، وأخذ الراي.
قال الله تعالى - بعد ما ذكر أحداث الغزوة: "فاغف عئهغ وأشتغفرلهئم
وساورهئم فى الأهي " (1).
كذلك قام - ع! ي! - بنصيب وافر في معالجة حالة الاكتئاب التي اصابت
المسلمين، فاعد الجيش الذي اصيب بالأمس ليطارد به العدو الدي انتصر
عليه، وفي اليوم التالي مباشرة للمعركة الدامية، خرج رسول الله بالجرحى
والمصابين يتعقب جيش المشركين وسار بهم ستة عشر كيلومترا تقريبا إلى
مكان يعرف بحمراء الأسد، مهددا بذلك جيش الشرك حتى لا يفكر في العودة
إلى المدينة، والدخول في معركة جديدة مع المسلمين.
وقد نجحت الفكرة، وفز أبو سفيان بجيشه مذعورا، مفضلا ان يعود
__________
(1) سورة آل عمران، الاية 159.
193

الصفحة 193