كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

ويبدو أن قريشا قد احكمت امرها هذه المرة سزا، لم يطلع عليه أحد
حتى لا يتسرب إلى المسلمين في المدينة كما حدث في غزوة أحد، وقد
سخر الله - عز وجل - للرسول - مج! ي! - من يطلعه على خفايا تلك المؤامرة
الرهيبة، حيث وصل وفد من خزاعة إلى المدينة قادمين من مكة، وكانوا قد
بلغهم من الأخبار ما يدل على الاستعداد للحرب مع المسلمين، فبلغوا رسول
الله بما علموا، فجمع الرسول - عفم! و- اصحابه، وأخبرهم بما بلغه عن استعداد
العرب لحربهم، فاشار سلمان الفارسي - رضي الله عنه - بحفر الخندق،
وقال: إنا كنا إذا حوصرنا خندقنا علينا (1).
وأخذ الرسول - ع! يم - بقول سلمان، وحدد المنطقة التي سيحفر فيها
الخندق، وهي الجهة الشمالية من المدينة، حيث كانت هي الجهة المكشوفة
التي يمكن للعدو ان يقتحم منها إلى داخل المدينة، واما بقية الجهات فكانت
محوطة بالبيوت والمزارع، بحيث لا يمكن لجيش ان يدخل المدينة منها.
ومنطقة الخندق تقع على ثلاثة كيلومترات من المدينة، وامتد الخندق
من الشمال الشرقي - طرف الحرة الشرقية - إلى الشمال الغربي - طرف الحرة
الغربية - ولم يكن حفرة على خط مستقيم، ولكنه كان ينحرف إلى الغرب
قليلا قليلا، فكان خطا منحنيا.
حدد الرسول - ع! يم - المنطقة التي سيحفر فيها الخندق، فبدا من أجمة
الشيخين، أو ثنية الشيخين بالقرب من جبل أحد، ثم يميل إلى جهة الغرب
فيمر بحصن راتج، وهو حصن لبني عبد الأشهل جماعة سعد بن معاذ- رضي
الله عنه - وموقعه الان وسط حي النصر، ثم يمر بجبل ذباب وهو جبيل صغير
في الشمال من ثنية الوداع خلف محطة البنزين، ثم بالمذاد، وهو حصن لبني
حرام. غربي مسجد الفتح، وموقعه الان إلى الغرب من مدرسة حسان بن
__________
(1) مختصر سيرة الرسول (ص 281) وتراجع الغزوة بتفصيلاتها في كتابنا: تاملات في سيرة
الرسول.
195

الصفحة 195