كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

والجزية من العراق والشام ومصر هو مبلغ (666.644 و 13) ستمائة وستة
وستين وستمائة واربعة واربعين الفا وثلاثة عشر مليونا من الجنيهات
المصرية (1).
ونعلم بالتالي مدى ما كان يعيش فيه المسلمون ناهيك باهل المدينة
العاصمة من الرخاء، ومدى ما كانت تتمتع به المدينة من النمو والازدهار.
فلما تحولت العاصمة من المدينة إلى الكوفة، ثم إلى دمشق، تحول
هذا الرخاء كذلك إلى العاصمة الجديدة.
وكما حرمت المدينة من السلطة السياسية، حرمت كذلك من الازدهار
الاقتصادي، واصبحت عالة على دمشق، تنتظر ما ياتيها من فضلات أهل
الشام، وما يتبقى عندهم إن كان يبقى عندهم شيء.
وإني اعتقد أن المدينة قد تعرضت لضغوط اقتصادية هائلة من جراء
الوضع السياسي المتقلب، فلما استقر الأمر لمعاوية - رضي الله عنه - لم ينس
اهل المدينة، ولكن الحظوة والنصيب الأوفر كانا لأهل الشام، ولما كانت
المدينة من البلاد التي وقفت إلى جوار علي - رضي الله عنه - تسدده وتؤيده،
كان الضغط عليها اشد، فبقدر ما كانت تكن ولاءها لآل البيت - عليهم
السلام - بقدر ما كان تعرضها للفاقة والمسغبة.
وكان الضغط الاقتصادي اهم العوامل التي كانت تلجأ إليها الحكومات
المختلفة لإخضاع المخالفين، وقد كان المال وسيلة رهيبة في ايدي الحكام،
فهو تارة لإغراء المعارضة، حتى تسير في الركاب، وهو تارة أخرى سيفا
مسلطا على رقاب المصرين على المعارضة، يخضعهم ببريقه لسلطان الدولة،
او يبقوا في جحيم الجوع والحرمان.
ولقد تعرضت المدينة لهذا الضغط الاقتصادي، بسبب موقفها السياسي،
الموالي لأمير المؤمنين - علي - فلم تكن مثل غيرها من الأنحاء المؤيدة
__________
(1) النظام المالي المقارن د/ بدوي عبد اللطيف 65، 66.
25

الصفحة 20