كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

وعزم أبو سفيان قائد قوة الحلفاء، على ان يتخذ قرارا هاما، واراد ا ن
يتمتت من خلو المكان من الجواسيس، حتى لا تتسرب اخبار هذا القرار إلى
المسلمين، ومن حقه ان يتثبت من ذلك، بل الواجب يحتم عليه أن يتأكد
منه، فهو في معركة، والعدو يتربص به، ثم هو بعيد عن مقر الجيش الذي
يقوده، والوقت ليلا لا يرى احد من بجواره، لذا قال: يا معشر قريش، لينظر
كل امرىء من جليسه (1)؟
لقد قرر أبو سفيان أن ينسحب بجيشه، ولا بد ان يتم ذلك في سرية
تامة، فقد ينكشف الأمر، ويباغته المسلمون وهو ينسحب بجيشه اللجب.
وتجلد حذيفة، وتمالك امره، وبادر بسؤال من بجواره قبل أن يسأله
واحد منهما فيفتضح امره، ويقع المحذور، ولكن حذيفة كان واثقا انه سيؤدي
دوره، ويعود إلى الرسول سالما، الم يقل له الرسول -يخيو-: "ولا تحدتن
شيئا حتى تأتينا".
فالرسول إذا قد وعده بالعودة، ولن يتخلف وعد رسول الله أبدا، قال
حذيفة: فاخذت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي، وقلت: من الرجل؟ قال:
معاوية بن ابي سفيان، واخذت بيد الآخر فقلت: من الرجل؟ قال: عمرو بن
العاص (2).
لقد كان حذيفة -رضي الله عنه - يتمتع باعصاب حديدية، وتصرفات
شجاعة بدهية، ولعل هذا هو الذي جعل رسول الله -جميهيم - ينتدبه لهذه المهمة
الخطيرة.
أبو سفيان يقرر الرحيل:
اطمأن أبو سفيان بان جيشه ليس فيه دخيل، ولم يتسرب إليه جاسوس،
وراج يسمع القوم قراره الخطير فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما اصبحتم
__________
(1) السيرة الحلبية (349/ 2).
(2) السيرة الحلبية (2/ 349).
255

الصفحة 205