كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي
نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار،
ولا يستمسك لنا بناء.
فارتحلوا فإني مرتحل.
ركب أبو سفيان جملة، واراد ان يرتحل في مقدمة الجيش، فقال له
عكرمة بن ابي جهل: إنك راس القوم وقائدهم، تذهب وتترك الناس؟
فاستحيا أبو سفيان، واناخ بعيره، وامر الناس بالرحيل، فارتحلوا وهو
قائم (1).
واستطاع حذيفة ان يتسلل من القوم، ويعود إلى رسول الله -ع! ي! - كما
استطاع أن يتسلل فيدخل فيهم، وعاد إلى الرسول فوجده يصلي، والبرد
قارس شديد، والرسول متلفع بمرط لإحدى نسائه.
رأى رسول الله -ع! يم - حذيفة يرتجف من شدة البرد، فأشار إليه، فلما
اتاه ادخله إلى رجليه، وطرح عليه طرف المرط، يقول حذيفة: ثم رجع
وسجد وإني لفيه، فلما سلم اخبرته الخبر (2).
وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم (3).
واصبح رسول الله -! شي! - فنظر في الوادي، فلم يجد من جند الشيطان
احدا، ولم يكد -لمجي! - يمتع عينيه بروية الوادي خاليا من جيش الشرك، ويزيح
عن قلبه كابوس تلك الحرب المدمرة، ويمد بصره إلى السماء حامدا لله شاكرا
فضله على ما اولاهم من كف ايدي المشركين عنهم، وكفايته لهم عن خوض
__________
(1) السيرة الحلبية (349/ 2).
(2) السيرة النبوية (3/ 044 1).
(3) السيرة النبوية (3/ 1044).
206

الصفحة 206