كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

للوضع الجديد، والموالين لسلطان الشام، حتى اضطر كثير من سكانها إلى
مغادرتها، والذهاب إلى الأماكن التي تغدق عليها الأموال.
وسأضرب هنا مثالين: احدهما يصور لنا الرخاء الذي كان يعيش فيه
اهل المدينة، والثاني لما وصل إليه حالهم من الشدة والحرمان، ونستطيع من
خلال النظر في المثالين ان نعرف مدى ما وصل إليه حال سكان المدينة من
البلاء.
المثل الأول:
لما أرسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى زينب بنت جحش أ م
المؤمنين - رضي الله عنها- حصتها من المال، ادهشتها كثرة المال، حتى
ظنت ان الخليفة قد أرسل لها المال لتقسمه على المسلمين، ولم يخطر ببالها
ان هذا المال حصتها وحدها.
فقالت: رحم الله اين الخطاب، اما وجد في امهات المؤمنين من تقوم
بقسم هذا غيري، فقالوا لها: هذا كله لك، قالت: سبحان الله! واستترت منه
بثوب، ثم قالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبا.
ثم قالت لبرزة بنت رافع: ادخلي يديك فاقبضي منه قبضة، واذهبي بها
إلى بني فلان وبني فلان، من ذوي رحمها، وأيتام لها، فقسمته حتى بقيت
منه بقية تحت الثوب.
فقالت برزة: فقلت: غفر الله لك يا ام المؤمنين، والله لقد كان لنا في
هذا المال حق.
قالت: فلكم ما تحت الثوب، فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهما،
ثم رفعت أم المؤمنين - زينب - يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني
عطاء لعمر بعد عامي هذا، قال فماتت (1).
__________
(1) فتوح البلدان للبلاذري، ص 445.
21

الصفحة 21