كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

سوأة لك!! اتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك؟ والله لقد منعتني
القدرة من الانتقام من ذوي الإحن، وإن احسن من عفا لمن قدر (1).
ولما توفي امير المؤمنين الحسن بن علي -رضي الله عنه - وفد بعد ذلك
عبدالله بن عباس -رضي الله عنه - إلى معاوية بالشام، ووجد معاوية في
وجود ابن عباس فرصة يعلم فيها يزيد كيف يتعامل مع الناس، فيحترم اهل
بيت النبي -! ي! - ويشارك الناس افراحهم واحزانهم، ويختلط بهم في
مجامعهم، فيتعلم من الكبار، ويرحم الصغار، حتى تجتمع عليه القلوب في
يوم سيكون فيه أحوج ما يكون إلى هذه القلوب.
فامر معاوية ابنه يزيد ان يذهب إلى ابن عباس فيعزيه في الحسن بن
علي، فلما دخل يزيد على ابن عباس رحب به واكرمه، وجلس يزيد بين يدي
ابن عباس، فاراد ابن عباس ان يرفع مجلسه، فابى وقال: إنما أجلس مجلس
المعزي، لا المهني.
ثم قال: رحم الله ابا محمد اوسع الرحمة وافسحها، وأعظم الله أجرك،
وأحسن عزاءك، وعوضك من مصابك ما هو خير لك ثوابا وخير عقبى.
فلما خرج يزيد من عند ابن عباس قال: إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء
الناس، ثم انشد متمثلا:
مغاض عن العوراء لا ينطقوا بها واصل وراتات الحلوم الأوائل (2)
فعل يزيد شيئا اغضب والده، فهجره معاوية، وكان الأحنف بن قيس
حاضرا فقال: يا امير المؤمنين، إنما هم اولادنا، ثمار قلوبنا، وعماد
ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، إن غضبوا فأرضهم، وإن
طلبوا فأعطهم، ولا تكن عليهم يقلأ فيملوا حياتك، ويتمنوا موتك.
فقال معاوية: لله درك يا ابا بحر، يا غلام، ائت يزيد، فأقره مني
السلام، وقل له: إن امير المؤمنين قد امر لك بمائة الف درهم، ومائة ثوب.
__________
(1) البداية والنهاية (228/ 8).
(2) البداية والنهاية (228/ 8).
212

الصفحة 212