كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

فقال يزيد: من عند امير المؤمنين؟
فقال الغلام: الأحنف بن قيس.
فقال يزيد: لا جرم، لأقاسمنه، فبعث إلى الأحنف بخمسين الفا
وخمسين ثوبا (1). ومن هذه القصة نفهم ذكاء يزيد وكرمه، ومكافاته لمن
يقدم له معروفا، فقد ادرك بفطنته ان اباه لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، ولا
بد أن يكون هناك شخص وراء ذلك، فسأل: من عند أمير المؤمنين؟ فلما
علم انه الأحنف، عرف أن سبب رضا والده عليه، وبعثه إليه بهذه المنحة لا
بد ان يكون هو الأحنف، فقاسمه المنحة بتمامها. ومن الأمور التي ترشح
صاحبها للمعالي، وتدنيه من قلوب الناس، وتجبرهم على محبته، الذكاء
الذي يلمح به حاجات الناس، والكرم الذي يدفعه إلى قضائها.
ويشهد لذكاء يزيد وحضور بديهته، وتوقد خاطره ما رواه العتبي قال:
قدم زياد بأموال كثيرة، وسفط مملوء جواهر- وكان عاملا لمعاوية على
العراق - فسر معاوية بما جاء به زياد، فقام زياد وصعد المنبر، ثم افتخر بما
يفعله بارض العراق من تمهيد الممالك لمعاوية.
فقام يزيد فقال: إن تفعل ذلك يا زياد، فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى
قريش، ومن القلم إلى المنبر، ومن زياد بن عبيد إلى حرب بن أمية.
فقال له معاوية: اجلس فداك ابي وامي (2).
وأراد معاوية يوما أن يخبر ما عند يزيد إذا ال الأمر إليه، فقال: كيف
تراك فاعلا إن وليت؟ قال: يمتع الله بك يا امير المؤمنين، قال: لتخبرني.
قال: كنت والله يا أبت اعمل فيهم عمل عمر بن الخطاب.
فقال معاوية: سبحان الله! والله لقد جهدت على سيرة عثمان بن عفان
فما اطقتها، فكيف بك وسيرة عمر بن الخطاب (3)؟
__________
(1) البداية والنهاية (228/ 8).
(2) نفسه (8/ 227).
(3) البداية والنهاية (8/ 229).
213

الصفحة 213