معاوية يوصي يزيد:
أحس معاوية -رضي الله عنه - بدنو اجله، وقرب ارتحاله من الدنيا،
فاحضر ولده وولي عهده يزيد، واوصاه بما يجب عليه ان يراعيه، وأن يعمل
به بعد ان يتولى امر المسلمين.
إن معاوية -رضي الله عنه - يدرك انه هو الذي مهد ليزيد أمر الخلافة،
وهو الذي توجه ليجلس على العرش، وشعوره بذلك يجعله يحس بالمسؤولية
عن هذا العمل الذي لم يسبق إليه، إنه غتر نظام الحكم، واحدث فيه امرا لم
يرضه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - وهو يقرر امر الخلافة من بعده، حين
جعل ابنه عبدالله شريكا لمجلس الشورى في اختيار الخليفة، ونته على انه
ليس له من امر الخلافة شيء.
إن إحداث هذا التغيير في طريقة اختيار الخليفة امر يتحمله معاوية
وحده، لأنه اول من أخذ به من المسلمين، وأول من حمل المسلمين عليه،
ولعله في إحداث هذا التغيير معذور، فقد شهد بنفسه المعارك الدامية بين
المسلمين، ورأى بعينيه الأرواج التي أزهقت في معركة صفين من جراء عدم
اتفاق المسلمين على خليفة يرعى شؤونهم، ويدبر امرهم.
إن هذه المأساة التي حلت بالمسلمين لم تفارق عقل معاوية، حتى بعد
ان اجتمع المسلمون عليه، وسلموا له بالخلافة، وإني أعتقد أنه إنما سعى
ليولي ابنه أمر المسلمين في حياته، وياخذ له البيعة قبل وفاته، حتى لا تتكرر
تلك الكارثة التي أزهق بسببها عشرات الآلاف من ارواج المسلمين.
لقد حرص معاوية على حقن دماء المسلمين بهذا التغيير الذي أحدثه في
نظام اختيار الخليفة، ولئن صح حدسي، وكان معاوية -رضي الله عنه-
حريصا على حقن دماء المسلمين بهذا العمل فهو ماجور عليه إن شاء اللّه
-تعالى -.
على كل حال أحس معاوية بمسؤوليته عن تصرفات ولي عهده حتى بعد
وفاته، فاراد ان يبرىء ذمته، وينصحه بما يرفع المسؤولية عنه فقال له:
214