يا يزيد، اتق الله فقد وطات لك هذا الأمر، ووليت من ذلك ما وليت،
فإن يك خيرا فانا أسعد به، وإن كان غير ذلك شقيت به، فارفق بالناس،
واغمض عما بلغك من قول تؤذى به وتنتقص به، وطا عليه يهنك عيشك،
وتصلح لك رعيتك، وإياك والمناقشة وحمل الغضب، فإنك تهلك نفسك
ورعيتك، وإياك وخيرة اهل الشرف واستهانتهم والتكبر عليهم، ولن لهم لينا
بحيث لا يروا منك ضعفا ولا خورا، واوطئهم فراشك، وقربهم إليك، وأدنهم
منك، فإنهم يعلمون لك حقك، ولا تهنهم، ولا تستخف بحقهم، فيهينوك،
ويستخفوا بحقك، ويقعوا فيك.
فإذا اردت امرا فادع اهل السن والتجربة من اهل الخير من المشايخ
واهل التقوى فشاورهم ولا تخالفهم، دماياك والاستبداد برايك فإن الراي ليس
في صدر واحد، وصدق من اشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واخرن
ذلك عن نسائك وخدمك.
وشمر إزارك، وتعاهد جندك، واصلح نفسك تصلح لك الناس، ولا
تدع لهم فيك مقالأ فإن الناس اسرع إلى الشر، واحضر الصلاة، فإنك إذا
فعلت ما اوصيك به، عرف الناس لك حقك، وعظمت مملكتك، وعظمت
في اعين الناس.
واعرف شرف أهل المدينة ومكة فإنهم اصلك وعشيرتك، واحفظ لأهل
الشام شرفهم فإنهم اهل طاعتك، وأكتب إلى أهل الأمصار بكتاب تعهدهم فيه
منك بالمعروف فإن ذلك يبسط امالهم، وإن وفد عليك وافد من الكور كلها
فاحسن إليهم واكرمهم، فإنهم لمن وراءهم، ولا تسمعن قول قاذف ولا
ماحل، فإني رأيتهم وزراء سوء (1).
وروى ابن كثير -رحمه الله - من وجه اخر، ان معاوية قال ليزيد: إ ن
لي خليلا من أهل المدينة فاكرمه، قال: ومن هو؟ قال: عبد الله بن جعفر (2).
__________
(1) البداية والنهاية (8/ 229، 230).
(2) البداية والنهاية (8/ 229، 230).
215