كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

وقد كان يزيد حريصا على العمل بوصية ابيه، فإنه لما وفد عبد الله بن
جعفر على يزيد بعد وفاة معاوية ضاعف له الجائزة التي كان يعطيها له
معاوية، فقد كانت جائزته على معاوية ستمائة الف، فاعطاه يزيد ألف الف،
فقال له عبد الله: بابي انت وامي، فأعطاه الف الف اخرى، فقال له عبد الله!
والله لا أجمع أبوي لأحد بعدك (1).
وهكذا تبرز هذه الوصية حرص معاوية -رضي الله عنه - على ان يكون
ولي عهده اهلا لتحمل المسؤولية، وان يكسب رضا الله -عز وجل - وثقة
الناس، فقد بدا وصيته بالأمر بتقوى الله ثم بالرفق بالرعية، والتغاضي عما
يبلغه من قول الناس بالقدج فيه، وحذره من المناقشة والغضب وامره باحترام
كبار القوم واللين لهم، ومعرفة حقهم.
ثم وجهه إلى مشاورة اهل الخبرة والتجربة، وعدم الاستبداد برايه،
وامره بالاجتهاد والجد والاهتمام بشؤون الجيش، واحترام اهل المدينة ومكة،
والابتعاد عن المنافقين وزراء السوء.
يزيد بين القادحين والمعتدلين:
تعرض يزيد لحملة شعواء من بعض الفئات التي كانت تنظر إليه على انه
عدو لما تؤمن به، وعلى راس هؤلاء جماعات من الشيعة الذين خذلوا عليا
-رضي الله عنه - وورطوا الحسين -رضي الله عنه - ثم تخلوا عنه، وقد وضع
هؤلاء المدعون لحب ال البيت أحاديث كثيرة في ذم بني امية، وكان نصيب يزيد
منها وافرأ، وحظه منها كبيرا، حتى ذكروا اسمه نصا في الأحاديث، ومن ذلك:
ما روى الحافظ أبو يعلى عن مكحول عن ابي عبيد أن رسول الله -جميهييه-
قال: "لا يزال امر امتي قائما بالقسط، حتى يثلمه رجل من بني امية يقال له
يزيد".
__________
(1) البداية والنهاية (8/ 229، 230).
216

الصفحة 216