كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

وقد بلغت كثرة الأموال في المدينة حدا عبر عنه الخليفة - عمر - بقوله:
لقد أتانا مال كثير، فإن شئتم نعده لكم عدا، وان شئتم نكيله لكم كيلا (1).
المثل الثاني:
روى مسلم في صحيحه عن يحنس مولى الزبير، انه كان جالسا عند
عبدالله بن عمر في الفتنة، فاتته مولاة له تسلم عليه فقالت: إني أردت
الخروج يا ابا عبد الرحمن، اشتد علينا الزمان.
فقال لها عبد الله: اقعدي لكاع، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"لا يصبر على شدتها ولأوائها احد إلَّا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم
القيامة " (2).
لقد بلغت الشدة والبلاء بأهل المدينة حتى فكر الناس في تركها، وطلب
الرخاء في غيرها، وهذ يدل على ما كان عليه أهل المدينة سابقا من الرخاء،
حتى إنهم لم يتحملوا شدة البلاء الذي حل بهم، ولا يعاني من شدة البلاء
مثل من كان يعيش قبل ذلك في الرخاء.
وإذا بلغ الأمر حدا يضيق به العبيد والإماء، فكيف بالسادة والروساء؟
وماذا يكون حالهم من تلك الشدة؟؟
هكذا كان تأثير التحول عن مقر الخلافة إلى بلاد اخرى، وهكذا كان
التاثير على المدينة سياسيا واقتصاديا، ومع ذلك بقيت للمدينة في القلوب
منزلة لا تعدلها منزلة، ومكانة لا تدانيها مكانة، تهوي إليها افئدة المسلمين،
وتصبر على لأوائها أجسامهم وبطونهم، طمعا في أن ينالوا شفاعة رسول الله-
- صلى الله عليه وسلم - ويحظوا بالإقامة إلى جوار قبره، وفي رحاب مسجده - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) فتوح البلدان ص 440.
(2) مسلم بشرج النووي (9/ 151، 152).
22

الصفحة 22