3 - الحافظ ابن كثير ويزيد:
وهذا موقف عالم جليل من علماء السلف الصالح، وهو الحافظ
إسماعيل بن كثير صاحب تفسير القرآن العظيم، وصاحب البداية والنهاية،
وغيرهما من الكتب التي اسهمت في إثراء المكتبة الإسلامية، وهو صاحب
المواقف التاريخية الحاسمة في إحقاق الحق وإزهاق الباطل.
وابن كثير -رحمه الله - له موقف من يزيد يدل على إنصاف وورع، فهو
برغم ما ذكر عن يزيد لم يحمل عليه؛ وبرغم ما روى في دفع بعض التهم عنه
لم يحكم ببراءته، ولكنه وقف موقف المؤرخ المنصف، فذكر ليزيد ماله وما
عليه، فقال:
قد كان ليزيد خصال محمودة من الكرم والحلم، والفصاحة والشعر،
والشجاعة وحسن الراي في الملك، وكان ذا جمال حسن المعاشرة.
وكان فيه ايضا إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلوات في بعض
الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات (1).
ثم اخذ يحدد موقفه من يزيد، ومن الخارجين عليه، ويبين رأي علماء
الأمة في مثل هذه الحال، هل يحل خلع يزيد لما اشتهر عنه؟ هل يجوز للأمة
أن تنزع يدها من طاعته؟ وما راي سلف الأمة في ذلك؟؟
يقول ابن كثير -رحمه الله -: يزيد بن معاوية اكثر ما نقم عليه في عمله
شرب الخمر، وإتيان بعض الفواحش. . . ثم قال: ولما خرج أهل المدينة عن
طاعته، وخلعوه، وولوا عليهم ابن مطيع وابن حنظلة، لم يذكروا عنه -وهم
اشد الناس عداوة له - إلا ما ذكروه عنه من شرب الخمر دماتيان بعض
القاذورات، ولم يتهموه بزندقة كما يقذفه بذلك بعض الروافض، بل قد كان
فاسقا، والفاسق لا يجوز خلعه، لأجل ما يثور بسبب ذلك من الفتنة والوقوع
في الهرج كما وقع في زمن الحرة.
__________
(1) البداية والنهاية (8/ 230).
220