كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

2 - الأثر السياسي:
اما الأثر السياسي فلم يكن اقل من سابقه (الأثر الاقتصادي) فقد كانت
المدينة المنورة - عاصمة الإسلام الأولى - تحظى بالكثير من النفوثذ الذي حباها
الله - عز وجل - به، فكانت الأوامر تصدر منها لكل انحاء العالم، وكانت
تستقبل بالاحترام والتقدير، وكان الخليفة وهو جالس في الصدينة يسئر حركة
الجيوس الغازية، ويسيطر على مقدرات الدولة، كلا يفلت شىء منها إلَّا بإذنه.
فلما انتقلت العاصمة سواء إلى الكوفة أو إلى دمشق، انتقل النفوذ
السياسي معها وحرمت المدينة مما كانت تتمتع به من السلطة السياسية،
وأصبحت الكوفة اولأ مصدر السلطات منها تخرج الجيوش للغزو، وترفع إليها
احوال الناس والرعية حيث يحكم فيها الخليفة بما يراه مناسبا، صماليه تقصد
الوفود من انحاء الدولة المختلفة، واحتلت الكوفة مكان الصدارة السياسية.
ثم انتقلت العاصمة إلى الشام مقر الخليفة -، وانتقلت معها سلطاتها
السياسية، وكان الخليفة جوادا كريما لا يضن بمال، ولا يبخل على المسلمين
بنوال، واتسع خلق الخليفة للناس كل الناس، وعم بنواله كل رعيته، فتعلقت
به القلوب، وقصده القريب والبعيد، ولكنه مع ذلك لم يستطع ان يغئر وضع
المدينة المنورة في نفوس الناس، لأن الناس قد ارتبطوا بالمدينة روحيا قبل
ان يرتبطوا بها سياسيا، ولان الرسولفتوج قد أضفى عليها رباطا مقدسا منذ
أن ارتبط بها.
فالصلاة في مسجدها بالف صلاة، والصبر على لأوائها لش! له جزاء إلأ
شفاعة الرسولفتوج والبركة التي اودعها الله - عز وجل - في صاعها ومدها
حاصلة لها بدعاء رسول الله لها.
ولكن غياب الخليفة عنها سلبها حقوقا كثيرة، فإن الناس كانوا
يقصدونها لقضاء مصالحهم، وتدبير أمورهم، فلما فقدت المدينة سلطانها
السياسي على الناس، وخلت من الخليفة، فلم يعد أحد يقصدها لقضاء
مصلحة، أو طلب عون، أو تدبير امر.
23

الصفحة 23