كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

اهل الشام فانكشفوا، فقال لأصحابه: الا ترونهم كشفا لئاما؟ احملوا أخرى
جعلت فداكم، فوالله لئن عاينت أميرهم لأقتلنه أو لأقتلن دونه، إن صبر ساعة
معقب سرور ابد، إنه ليس بعد صبرنا إلا النصر (1).
وحمل الفضل وحمل اصحابه، فانهزمت خيل الشام، وظهر مسلم بن
عقبة يحيط به خمسمائة راجل جثاة على الركب، قد شرعوا اسنتهم نحو
القوم، وتقدم الفضل نحو حامل راية اهل الشام ليضرب راسه، وكان صاحب
الراية قد وضع على راسه مغفرا، فضربه الفضل فقط المغفر، وفلق هامته فخر
ميتا، فقال: خذها مني وانا ابن عبد المطلب.
وظن الفضل أنه قتل مسلما، فقال: قتلت طاغية القوم ورب الكعبة.
فقال مسلم: اخطات استك الحفرة.
وكان الذي قتل غلاما لمسلم يقال له: روميئ، وكان شجاعا23).
وعندئذ أخذ مسلم الراية، ونادى ؤي اصحابه: يا اهل الشام، اهذا
القتال قتال قوم يريدون به ان يدفعوا عن دينهم، وان يعزوا به نصر إمامهم،
قبح الله قتالكم منذ اليوم ما اوجعه لقلبي، وأغيظه لنفسي ا أما والله ما جزاوكم
عليه إلا ان تحرموا العطاء، وان تجفروا في اقاصي الثغور، شدوا مع هذه
الراية، تزج الله وجوهكم إن لم تعتبوا (3).
وتارت الحمية في نفوس أهل الشام لقول اميرهم، وقد خافوا ا ن
يحرموا من اعطياتهم، وان يغربوا في اقاصي الثغور ويحبسوا فيها، فشدت
الخيل والزجالة على عبد الله بن حنظلة وجيشه حتى دنوا منه وركب مسلم بن
عقبة فرسا له، وأخذ يحرض جيشه على القتال والاستبسال فقال:
يا اهل الشام، إنكم لستم بافضل العرب في احسابها ولا أنسابها، ولا
أكثرها عددا، ولا أوسعها بلدا، ولم يخصصكم الله بما خصكم به من النصر
__________
(1) تاريخ الطبري (488/ 5).
(2) نفسه (488/ 5).
(3) نفسه (5/ 488).
237

الصفحة 237