كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

على عدوكم، وحسن المنزلة عند ائمتكم إلا بطاعتكم واستقامتكم، وإن
هؤلاء القوم وأشباههم من العرب غيروا فغير الله بهم، فتموا على احسن ما
كنتم عليه من الطاعة يتمم الله لكم احسن ما ينيلكم من النصر والفلج (1).
وعاد مسلم إلى مكانه، وامر الخيل ان تهجم على ابن الغسيل، وأمر
ابن الغسيل جنده ان يضربوا في وجوه الخيل بالرماج والسيوف حتى نفرت
واحجمت، ولم تستطع أن تتقدم.
وهنا نادى مسلم بن عقبة: يا اهل الشام، ما جعلهم الله اولى بالأرض
منكم، يا حصين بن نمير، انزل في جندك، فنزل حصين في أهل حمص،
فمشى إلى أهل المدينة.
ورأى مسلم ابن نمير يتقدم في جنده تحت راياتهم نحو ابن الغسيل،
فقام في اصحابه فقال: يا هؤلاء، إن اعداءكم قد أصابوا وجه القتال الذي
ينبغي ان تقاتلوهم به، هاني قد ظننت الا تلبثوا ساعة حتى يفصل الله بينكم
وبينهم إما لكم وإما عليكم، أما إنكم اهل البصيرة ودار الهجرة، والله ما أظن
ربكم اصبح عن أهل بلد من بلدان المسلمين بارضى منه عنكم ولا على اهل
بلد من بلدان العرب باسخط منه على هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم.
إن لكل امرىء منكم ميتة هو ميت بها، والله ما من ميتة بافضل من ميتة
الشهادة، وقد ساقها الله إليكم فاغتنموها، فوالله ما كل ما أردتموها
وجدتموها (2).
ومشى مسلم برايته حتى وقف قريبا من القوم، وقدم ابن نمير برايته
حتى دنا من القوم، وامر مسلم بن عقبة عبد الله بن عضاه الأشعري فمشى في
خمسمائة رام حتى اقتربوا من عبد الله بن حنظلة، واخذوا يرمونهم بالنبل.
فقال ابن الغسيل: علام تستهدفون لهم؟ من اراد التعجل إلى الجنة
__________
(1) تاريخ الطبري (5/ 489).
(2) نفسه (5/ 490).
238

الصفحة 238