كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

وروى القرطبي عن ابن حزم قال: وجالت الخيل في مسجد رسول
الله -لمجي! -، وبالت، وراثت بين القبر والمنبر - أدام الله تشريفها - (1).
تعليق:
لا شك ان إباحة المدينة النبوية جريمة لا تغتفر لمن اباحها او امر بها
او رضي عنها، وهذا امر لم يحدث في اي عهد من عهود الدولة الإسلامية
مع تعاقب الحكام والأمراء، واختلاف أحوالهم ونزعاتهم، فالمدينة النبوية بلد
مقدس له حرمته ومكانته في نفوس المسلمين وقلوب المؤمنين، ومهما تكن
الجريمة التي وقعت من اهله، فإنها لا تبيح مطلقا حرمة هذا البلد الطيب
الطاهر، نعم، إن حق الخليفة الذي اخذت له البيعة السمع والطاعة، ومن
حقه ان يرد الخارجين عليه، وان يعيدهم إلى الطاعة حتى لا تكون فتنة.
ولكن ليس من حقه مطلقا ان يبيح بلدا امنا فيه الشيوخ الذين لا
يستطيعون ضربا في الأرض، وفيه النساء اللاتي لا يقاتلن ولا يقدرن على
القتال، وفيه الصبيان الذين لا ذنب لهم ولا جريرة.
إن إباحة المدينة على ما فيه من الخطأ الفاحش، والظلم البين، والقسوة
البالغة، امر غير مقبول لأي جيش ومن أي امير، فما بالنا إذا كان الأمير
مسلم بن عقبة المري الرجل الجاهل، الفاسق، الذي كان يظن انه يتقرب إلى
الله -عز وجل - بقتل أهل المدينة، بل كان يعتقد أنه السبيل لنجاته من النار
حتى كان يقول: لئن دخلت النار بعدها إني لشقي (2).
وما بالنا إذا كان الجيش مثل هذا الجيش الذي لم يجتمع إلا لأخذ
العطاء، ولم يجد في الحرب إلا حين هدد بحرمانه وتجميره، إنه جيش لم
يقاتل على مبادىء، ولم يدخل المعركة على بصيرة، وإنما حبا في الغنيمة،
ورغبة في الحصول على الدنانير.
إن هذا الجيش لا يستبعد عليه ان يفعل كل شيء إذا ابيحت له المدينة،
__________
(1) وفاء الوفا (1/ 6 2 1).
(2) وفاء الوفا (1/ 1 3 1).
241

الصفحة 241