كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

وكذلك نلاحظ ان الإباحة هذه التي اباحها يزيد لجيش مسلم لم تكن
بغير شروط، ولكنها كانت مشروطة برفض أهل المدينة الإنذار الذي يوجهه
إليهم مسلم، كما كانت مشروطة بمضي تلاثة الأيام التي حددها لهم،
ورفضهم الدخول في الطاعة.
وبهذا يكون يزيد قد انذر واعذر، ولكنا لا نعفيه على اية حال من تبعة
السماح للجيش باستباحة المدينة، ونحمله مسؤولية ما نزل باهلها الآمنين
الذين لم يشاركوا في القتال، من النساء والصبيان والشيوخ.
وكان يكفيه ان يخضع المحاربين والخارجين بالوسيلة التي تردهم إلى
الطاعة، بما له عليهم من حق، وبما في اعناقهم من البيعة له، فإذا ما انتهت
المعركة، وانهزم الخارجون، كف عن الامنين، وأمسك عمن ألقوا السلاح،
لأن في إلقائه، وعدم التشبث به، دليلأ على الخضوع والاستسلام، والعودة
إلى الطاعة ولو كانوا كارهين.
إن استباحة المدينة، وترويع اهلها ظلما، وبغير جريرة، فيه وعيد
شديد، وتهديد أكيد من رسول الله -! يئ - لمن فعله او رضي به.
روى الإمام أحمد -رحمه الله - بسنده عن السائب بن خلاد أن رسول
الله -! ر- قال: "من اخاف اهل المدينة ظلما أخافه اللّه، وعليه لعنة الله
والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلأ" (1).
فماذا كان من الصحابة؟
كانت معركة الحرة في السنة الثالثة والستين من الهجرة النبوية، وكان
كثير من الصحابة موجودين في المدينة حين دخلها جيش مسلم بن عقبة،
واستباحها هذه الأيام الثلاثة، ولم يكن ما حدث في هذه المعركة اللعينة
__________
(1) رواه أحمد في المسند.
244

الصفحة 244