كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

مفاجأة لهؤلاء الأصحاب الكرام - رضوان الله عليهم - ولكنهم كانوا على علم
تام به، لأن رسول الله -! كفي! - كان قد اخبرهم به.
روى الواقدي ان النبي -! كف! - خرج سفرا من اسفاره، فلما مر بحرة
زهرة وقف واسترجع، فسيء بذلك من معه، فظنوا ان ذلك من امر بسفرهم،
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللّه، ما الذي رأيت؟
فقال النبي -! شي! -: اما إن ذلك ليس من سفركم هذا.
قالوا: فما هو يا رسول الله؟
قال: يقتل في هذه الحرة خيار امتي بعد اصحابي (1).
لم يكن ما حدث مفاجأة كما اسلفت، ولكن المفاجاة كانت في ان ذلك
يحدث على يدي جيش مسلم يسيره أمير المؤمنين، حيث لم يكن الصحابة
الذين بلغهم حديث رسول الله -! كتي! - يظنون أن ذلك سيحدث للمسلمين على
أيدي المسلمين، فكان هول المفاجاة مفزعا لهم، حتى فروا يلتمسون النجاة.
ولم يكن فرارهم جبنا من مواجهة الواقع، ولا فرقا من منازلة الموت،
ولكنه طلبا للنجاة من الدخول تحت طائلة الحديث الشريف "إذا التقى
المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" (2).
يقول اين كثير -رحمه الله -: وقد اختفى جماعة من سادات الصحابة
منهم جابر بن عبدالله، وخرح أبو سعيد الخدري، فلجأ إلى غار في جبل،
فلحقه رجل من اهل الشام.
قال: فلما رايته انتضيت سيفي، فقصدني، فلما راني صمم على قتلي،
فشممت سيفي، ثم قلت: " افى-أرتد أن تبوأ لحاثمى وإثمك فتكون مق أضخب ألنار
وذ لك جزاؤ الظالمين ".
فلما راى ذلك قال: من انت؟
__________
(1) وفاء الوفا (1/ 4 2 1).
(2) رواه أحمد في المسند.
245

الصفحة 245