كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

الموضوعية، مع اننا جميعا نؤمن تمام الإيمان اننا إزاء حادثة تاريخية ينبغي
عند معالجتها التجرد من العاطفة، ونبذ الانفعال، وهما العاملان اللذان يؤثران
في تحليل الأحداث التاريخية ويحولانها للخضوع لهوى النفس، وميل العاطفة.
إن تحكم العاطفة، وسيطرة الانفعال، يحرمان الأحداث التاريخية من
الواقعية التي يجب ان تدرس في ضوئها، ويبعدانها عن الموضوعية التي لا
يجوز ان تحلل إلا في محيطها، ومن هنا وجدتني ملزما بتناول الواقعة بعيدا
عن تحكم العاطفة وسيطرة الانفعال، حتى ترى في حقيقتها مبزاة من التحيز،
منزهة عن التحامل.
وإني اعتقد ان طريقتي في معالجة هذه الحادثة بالذات على النحو الذي
قصدت، لن تروق العاطفيين من المؤرخين، ولن تعجب الكثيرين من قرايهم،
وكذلك لن يوفر المادة التي ينتظرها الذين يتناولون الوقائع من جانب واحد
متغاضين عن بقية الجوانب، ولو كانت اساس الموضوع وصلبه.
ولهذا فأنا اعتذر مقدما لهؤلاء واولئك، راجيا أن يحكموا عقولهم،
ويستبعدوا عواطفهم، وان يتسموا بالهدوء وينبذوا الانفعال، ولو لحظات حتى
ينتهوا من قراءة هذا التعليق، ثم لهم بعد ذلك أن يتصفوا بما يشاوون، ولكني
واثق أنهم لن يميلوا عن الحق، ولم يجانبوا الصواب، مهما كانت العاطفة،
ومهما قوي الانفعال.
وأحب ان أنبه هنا إلى ان مثل هذا الموضوع، يجب على من يريد
معالجته، ان يكون شديد الحذر، مرهف الحاسة التاريخية، لماحا لكل ما
يحيط بالموضوع من الملابسات، فالحاكم الذي وقعت في عهده الواقعة،
وصل إلى الحكم بطريقة لم يعهدها المسلمون من قبل، اثارت حوله كثيرا من
القيل والقال، ثم لم يكن احد البارزين الذين تشرئب إليهم الأعناق، وتتعلق
بهم الامال، وهو فوق ذلك ابن معاوية بن ابي سفيان العدو الأول للشيعة
الموالية لعلي بن أبي طالب وال بيته، وأخيرا فقد تولى امر المسلمين، مع
وجود كثير من الصحابة الذين لهم سابقة وجهاد، وكل منهم كان يرى انه
أحق بالأمر من يزيد ين معاوية.
256

الصفحة 256