كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

كل هذه الأسباب جعلت يزيد يقف في مهب الريح، ويواجه عواصف
هوجاء لا بد من مواجهتها، وبالتالي أوجدت له اعداء تقليديين، وأعداء
عقديين، وهؤلاء وأولئك كان لهم اتباع، وهؤلاء الأتباع ليسوا على درجة من
الوعي الديني، وشرف الخصومة، مما يجعلهم يتورعون عن افتراء الكذب،
واختلاق البهتان.
وقد ثبت تاريخيا أن هؤلاء الأعداء دسوا على بني أمية كثيرا من
الأباطيل، حتى إنهم لم يتورعوا عن وضع الأحاديث كذبا على رسول
الله -ع! ير - ليذموا بها بني أمية، وينسبوا إليهم ما ليس فيهم، قاصدين من وراء
ذلك تنفير الناس عنهم.
ويبدو ان بعض الخارجين على يزيد في موقعة الحرة كانت لهم منافع
شخصية لم يحصلوا عليها، ومآرب مادية لم يستطيعوا الوصول إليها، ومن
ذلك ما روي عن معقل بن سنان -رضي الله عنه - انه ذهب إلى يزيد ليحظى
بنواله، ويتزود من ماله، ولكن رجع بدون خفي حنين.
وفي طبرية قابل معقل مسلم بن عقبة -وكان صديقا له - فقال له: سرنا
شهرا، ورجعنا من عند يزيد صفرا، نرجع إلى المدينة فنخلع هذا الفاسق،
ونبايع لرجل من أبناء المهاجرين (1).
فاسزها مسلم في نفسه، حتى تمكن من معقل ين سنان يوم الحرة، فأمر
بضرب عنقه. نحن الان امام حاكم يقيم بالشام، تجمعت حوله عوامل كثيرة،
كفيلة بأن تشوه أجمل صورة لأعدل حاكم، ومن ناحية اخرى امام شعب يقيم
بالمدينة النبوية، يرتبط بالإسلام برباط وثيق، يتمثل الواقعية التي كان يعيشها
الخلفاء، ويتمسك بان يكون الخلفاء كلهم على نحو اسلافهم، مهما اختلفت
البيئة، ومهما تغيرت الأحوال.
وامام هذين الموقفين ينبغي أن نعالج الموضوع متحرين مراعاة الظروف
__________
(1) تاريخ الطبري (5/ 492).
257

الصفحة 257