كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

المختلفة للصورتين، متوخين إحقاق الحق، ولا يهمنا في اي جانب كان، غير
عابئين بثورة العواطف المجانبة للصواب، ولا بسيطرة الانفعالات المؤدية إلى
الانحراف.
إن بعد المسافة بين الشام والحجاز، لا يمكن سكان كل منهما من
الوقوف على حقيقة الأمر في الجهة الأخرى، وهذا غالبا يكون أحد اسباب
كثرة الشائعات، كما يكون أحد الأسباب المؤدية إلى ذيوعها وانتشارها، بل
وتصديقها، ولهذا فنحن كباحثين لا نستبعد أن تكون التهم الموجهة إلى
الخليفة إحدى هذه الشائعات، وإن لم يكن كلها فبعضها.
ونحن لا ننكر ان التهم خطيرة، وانها تقلق نفوس المؤمنين الذين لم
يبعدوا كثيرا عن زمن الخلافة الرشيدة، على ان بعض المعاصرين قد عايش
الخلافة الرشيدة، وتمتع بعدالتها، وما اظلت به المسلمين من البر والمرحمة،
ونحن لا ننكر ورود الإشاعات، كما لا ننكر قدرتها على إثارة النفوس،
وإشعال الفتنة حتى يتحدى كل فريق الاخر، ومن هنا كان لا بد من تحقيق
جانبين هامين في الموضوع، وهما: هل هذه التهم الموجهة إلى يزيد بن
معاوية صحيحة؟ وإذا كانت صحيحة، فهل تجيز للمسلمين خلعه والخروج
عليه؟؟
يجب على من يريد تحليل الأحداث للوصول إلى وجه الحق فيها ا ن
يجعل هذين السؤالين اساس التحقيق والتحليل، لأن الوصول فيهما إلى إجابة
شافية، سيوضح الصورة التي لا يستطيع المحقق الوصول إليها، وإصدار
حكمه عليها إلا من خلال هذه الإجابة.
ومن هذا المنطلق نقول: إن اخطر التهم التي وجهت إلى يزيد هي
شرب الخمر، وانه كان يسكر حتى يترك الصلاة، ويعزف بالطنابير، ويلعب
بالكلاب.
ونحن لا نقبل هذه التهم على عواهنها، بل ينبغي أن نسال: من الذين
رأوا يزيد وهو يمارس هذه المنكرات؟
258

الصفحة 258