كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

لم يذكر المؤرخون أحدا باسمه لم يتهم، وجه هذه التهم إلى يزيد، مما
يجعلنا نرتاب في صحتها، حتى عبد الله بن مطيع احد قواد ثورة أهل المدينة،
لما ذهب إلى محمد بن الحنفية ليقنعه بالخروج معهم وخلع يزيد، ووجه هذه
التهم الى يزيد، ساله محمد، أفاطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟
قال ابن مطيع ا إنه عندنا لحق، وإن لم يكن رأيناه.
فقال ابن الحنفية: أبى الله ذلك على الشهود فقال: "إلامن شحيدبالحق
وممتم يغلمون" (1).
فهذا احد زعماء الثورة، واشد المتحمسين لخلع يزيد، يعترف بانه لم
ير يزيد يشرب الخمر، فكيف نسمح لأنفسنا ان نوجه تهمة خطيرة مثل هذه
لمسلم، ناهيك عن الخليفة، ولم نره يفعل ذلك، ولم يرد إلينا عن طريق
الثقاة؟ ولو أنها وردت للثوار عن طريق الثقاة لأخبر عبد الله بن مطيع ابن
الحنفية عن المصدر الذي يستند إليه في توجيه التهمة، ولكنه لم يفعل.
ثم نقول لمن يوجهون هذه الاتهامات: هل رايتم يزيد وهو ياتيها؟ فإن
رايتموه ولم تنهوه عن ذلك فأنتم شركاوه في الإثم، وإن زعمتم انكم
نصحتموه، فهاتوا لنا ما يثبت ذلك، وإلا فانتم في عداد المفترين.
ذكر الطبري أن المنذر بن الزبير ممن صرج بذلك فقال: إن يزيد والله
قد أجازني بمائة الف درهم، وإنه لا يمنعني ما صنع إليئ ان أخبركم خبره،
واصدقكم عنه، والله إنه ليشرب الخمر صمانه ليسكر حتى يدع الصلاة (2).
ونحن نسال: متى قال المنذر ذلك؟ وبأي مناسبة؟
إن المنذر بن الزبير لما اجازه يزيد بمائة ألف درهم لم يرجع إلى
المدينة مع من رجعوا إليها، ولكن توجه إلى البصرة، حيث يكون عبيد الله
ابن زياد أميرا عليها، وهو صديق للمنذر، فلما رجع وفد المدينة، وأظهروا
__________
(1) البداية والنهاية (233/ 8).
(2) تاريخ الطبري (5/ 481).
259

الصفحة 259