كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

شتم يزيد، وتداعوا إلى خلعه، بلغ يزيد ما فعل اهل المدينة، فكتب إلى
عبيد الله بن زياد ان يمسك المنذر حتى يرى فيه رايه.
وهنا استنكف ابن زياد أن يغدر بصديقه وضيفه، فاحتال حتى خرج
المنذر من عنده أمام الناس، وعندئذ توجه المنذر إلى المدينة، وقال ما قال
في يزيد، فهل يؤخذ بقول المنذر، وهو في مثل هذه الحال، وهو واقع تحت
هذا الضغط النفسي؟
لا شك أن المنذر في هذه الحال، التي وقع فيها تحت تهديد يزيد
ووعيده يعتبر خصما ليزيد لا تقبل شهادته فيه.
وذكر ابن الجوزي ان عبد الله بن ابي عمرو بن حفص المخزومي قال:
قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، ونزعها عن رأسه، إني لأقول هذا وقد
وصلني واحسن جايزتي، ولكن عدو الله سكير (1).
إن عبد الله بن أبي عمرو هذا احد افراد الوفد الذين ذهبوا إلى يزيد،
وأكرمهم واحسن جائزتهم كما يقول، وشهادته هذه يعتد بها لو انه رواها
بطريقة موثقة، كانه يقول: رايته يسكر، أو أخبرني فلان الثقة انه يسكر،
ولكن الرواية كما ذكرت تحتمل انه راه، وتحتمل أنه سمع، ومثل ذلك لا
يعتد به عند المحدثين إلا أن يقترن بما يدل على القطع، والإسلام يدرا
الحدود بالشبهات، والاحتمال احد الشبهات التي يدرأ بها الحد، هاذا درىء
الحد فقد سقطت التهمة.
على ان جواب عبد الله بن مطيع السابق لابن الحنفية، يدل على ان أحدا
من أتباعه لم ير يزيد وهو يشرب الخمر، وعبدالله بن أبي عمرو هذا أحد
أتباع ابن مطيع، فلو كان راه يشرب الخمر لذكر ذلك لابن الحنفية، أو لذكر
ابن مطيع أن ابن ابي عمرو راه يشرب، ولكن ابن ابي عمرو لم يقل، وابن
مطيع لم يرو عنه، فدل ذلك على ان الرواية مشكوك فيها.
__________
(1) وفاء الوفا (1/ 8 2 1).
265

الصفحة 260