كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

إن اتهام يزيد بما اتهم به لم يثبت بطريق قطعي يمكن الاعتماد عليه،
ولهذا فإنه سيبقى مجرد اتهام بعيد عن الأدلة، لا يمكن إدانة صاحبه به شرعا.
ونحن إذا سلمنا مع الذين يتهمون يزيد بهذه الاتهامات، وقلنا بصحة
ثبوتها فرضا، فهل هذه التهم مما يجيز خلع الخليفة الذي بايعته الأمة،
ورضيت بخلافته ثلاث سنين؟
لنستعرض اراء العلماء في هذه المسالة، لنتعرف على وجه الحق فيها،
ثم نمضي بعد فيما يفتح الله به من التحليل والتعليق.
إن آراء علماء الأمة سلفها وخلفها متفقة على ان الفسق بارتكاب بعض
المعاصي لا يبيح للأمة الخروج على الخليفة وخلعه.
يقول إمام الحرمين الجويني: ولا يخفى على منصف ان اشتراط دوام
التقوى، يجر قصاراه عسر القيام بالإيالة العظمى، تم لو كان الفسق المتفق
عليه يوجب انخلاع الإمام أو يخلعه لكان الكلام يتطرق إلى جميع أفعاله
وأقواله على تفنن أطواره وأحواله، ولما خلا زمن عن خوض خائضين في
فسقه المقتضي خلعه، ولتحزب الناس أبدا في مطرد الأوقات على افتراق
وشتات في النفي والإثبات، ولما استتبت صفوة الطاعة لدمام في ساعة (1).
ويقول ولي الله الدهلوي: إن استوى من لم يجمع الشروط، لا ينبغي
ان يبادر إلى المخالفة، لأن خلعه لا يتصور غالبا إلا بحروب ومضايقات،
وفيها من المفسدة أشد مما يرجى من المصلحة، وسئل رسول الله -ع! ي! -
عنهم فقيل: افلا ننابذهم؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة " وقال: "إلا أ ن
تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " وبالجملة فإذا كفر الخليفة بإنكار
ضروري من ضروريات الدين، حل قتاله، بل وجب، وإلا لا (2).
ويقول الحافظ ابن كثير: والفاسق لا يجوز خلعه، لأجل ما يثور بسبب
__________
(1) الغياثي الجويني (ص 102) تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب.
(2) حجة الله البالغة للدهلوي (2/ 150).
261

الصفحة 261