كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

اين عباس، وغيرهم لم يخرجوا، ولم يفتوا بجواز الخووج، بل دافع بعضهم
عن يزيد، ودفع التهم التي وجهت إليه، ونصح بعضهم الخارجين وطلبوا
منهم بذل الطاعة وعدم الخووج على الجماعة، والتزم بعضهم المسجد ولم
يشارك في شيء مما قام به اهل المدينة، فإن ذلك يؤكد أن خروج اهل
المدينة كان غلطة جزت عليهم هذا البلاء الذي نزل بهم.
وعلينا بعد ذلك أن ننظر إلى الموضوع من الجانب الاخر، ومن حق
القارىء ان يتساءل: هل كان يزيد على حق لما بعث جيشه إلى المدينة؟ وهل
ما حصل لأهل المدينة على يدي هذا الجيش شيء لا يلام عليه يزيد؟؟
أقول: إن يزيد كان في موقف الدفاع عن سلطانه، وذلك حقه، ومن
يدري ماذا كان يحدث لو انه يزيد تساهل وترك أهل المدينة يستقلون
بامورهم، ويخرجون على الطاعة، هل كانت المسالة ستقف عند هذا الحد،
أم سيتفاقم الأمر، ويدلهم الخطب، وتتمرد بقية الأقاليم، وتتفتت الدولة
الإسلامية، وهي في ريعان شبابها؟
لا شك أن نجاح ثورة المدينة، سيكون من اهم العوامل التي تشجع
على حدوث تمردات اخرى في اماكن أخرى، مما يترتب عليه ذوبان الدولة
وزوالها في وقت كان أعداوها يتربصون بها الدوائر، ويتحينون الفرصة
للانقضاض عليها، ليستردوا ما فتحه المسلمون من بلادهم.
لقد كان الواجب يحتم على يزيد أن يردع المتمردين، لا من أجل
الحفاظ على ملكه فقط، ولكن من اجل الحفاظ على الإسلام ودولته التي لا
تزال في دور التكوين، ومع ذلك فإننا رأينا أن يزيد اتبع الطريقة الصحيحة
حين بعث جيشه إلى المدينة، فلم يأمره بالمفاجأة، ولم يحثه على البغتة، بل
امره بأن يتمهل، وأن ينذر القوم، فلا يحارب إلا بعد مضي تلاثة أيام، وكان
يزيد يامل أن يعود أهل المدينة إلى الطاعة، فيكف عنهم الجيش، ويقبل منهم
العودة، ولا يكون هناك قتال، وبخاصة وأن عبد الله بن جعفر، كان قد سال
يزيد حين جهز الجيش ليبعثه إلى المدينة فقال: أرايت إن رجعوا إلى طاعتك
ايقبل منهم؟
263

الصفحة 263