كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

فأبوا عليه، ولم يقبلوا نصحه، وقال له عبد الله بن مطيع: ما يحملك يا نعمان
على تفريق جماعتنا، وفساد ما اصلح الله من امرنا؟
وعصاه الناس، فانصرف عنهم (1).
وهكذا يكون يزيد قد أنذر وأعذر، وسلك كل طريق يمكن ان يؤدي
إلى وقف الحرب، ويحفظ على المسلمين دماءهم واموالهم، ويساعد على
وحدة المسلمين وتماسك صفوفهم. ولكن هل يكفي ذلك لينجو يزيد من
المؤاخذة والفوم؟
على اية حال لم يكن يزيد لينجو من لوم المؤرخين، ولا من مؤاخذة
التاريخ، ولو انه وقف عند حد الإعذار، وارسل بعد النعمان بن بشير رجلا
ثانيا وثالثا لكان قد قطع الشوط إلى اخره ولوجد المؤرخون له بعض العذر،
ولو انه اكتفى بحرب المحاربين، وإخضاع الخارجين دون ان يبيح المدينة،
ويعكر صفو الآمنين، ويبيح اموال المسالمين، لالتمس التاريخ له عذرا وعذرا
وعذرا.
ولكن الخطا الفاحش الذي لا تغسله الدموع، ولا يخفف منه الاعتذار
والمواساة هو الأمر بإباحة المدينة ثلاثة ايام، مما ادى إلى وقوع فساد عظيم،
وشر مستطير، وفتح للحاقدين بابا. نفذوا منه إلى تشويه سمعة يزيد، وزادوا
وعادوا في امور لولا التحقيق والبحث لأصبح يزيد يلعن على كل لسان
بسببها.
إن استباحة المدينة عمل يخالف طبيعة الإسلام، وحماقة لا تليق بعامة
المسلمين، بله الخلفاء والمسؤولين، وجريمة ستظل تلاحق يزيد إلى يوم
الدين.
ويجرنا ذلك إلى سؤال مهم في الموضوع، وهو: هل يجوز لعن يزيد؟
أقول: اللعنة هي الطرد والحرمان من رحمة الله -تعالى - ولهذا لا
__________
(1) تاريخ الطبري (5/ 481).
265

الصفحة 265