كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

يجوز لعن المؤمن ولو كان عاصيا فاسقا، لأن ماله إلى رحمة الله مهما كانت
معاصيه، ما دام يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر، ويؤمن بالقدر
خيره وشره.
فقد جاء في الصحيح: "اخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل
من إيمان " (1) فالعصاة في رحمة الله، حتى وهم في النار، لأنه رحيم بهم حين
يخرجهم منها، فكيف إذا نلعنهم ونطلب طردهم من رحمته -سبحانه -.
ولكن وردت احاديث فيها لعن اصناف من الناس، وقد يكونون
مؤمنين. روى ابن كثير عن ابن وهب بسنده: "من اخاف اهل المدينة اخافه
الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين " (2).
واستدل بهذا الحديث وامثاله من رأى جواز لعن يزيد، ومن هؤلاء
الإمام أحمد في احد قوليه، والخلال والقاضي أبو يعلى وابنه القاضي حسين،
وابو الفرج بن الجوزي، فقد جوز لعنته، والف فيه كتابأ.
وارى أن هذا الحديث جاء مطلقا، ولكن رواية الإمام احمد قيدت
الإخافة بالظلم، حيث روى الإمام أحمد بسنده: "من اخاف أهل المدينة ظلما
أخافه الله، وعليه لعنة الله والملايكة والناس اجمعين " ولعل هذا القيد هو
الذي جعل الإمام أحمد -رحمه الله - لا يجؤز لعن يزيد في قوله الثاني،
وانضم إلى راي الإمام احمد هنا جماعة من العلماء، فمنعوا لعن يزيد، حتى
لا يكون لعنه وسيلة إلى لعن ابيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه
من التصرفات السيئة على أنه تأول وأخطأ (3).
ومن أباح لعنه احترز وقال: العن يزيد ولا تزيد.
وأرى من تمام الفائدة للبحث أن أختم هذا التحليل بكلمات هي نص
__________
(1) رواه البخاري باب تفاضل أهل الإيمان.
(2) البداية والنهاية (8/ 223).
(3) البداية والنهاية (223/ 8).
266

الصفحة 266