كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

ومما يدل على مكانة المسجد في نفوس الصحابة ما حدث بين معاذ بن
جبل - رضي الله عنه - وتميم بن زيد الأنصاري، فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
معاذ بن جبل أن يصلي باهل قباء في مسجدهم، وحدث مرة أن تاخر معاذ
في صلاة الفجر، وجاء تميم وقد أسفر النهار فقال: ما يمنعكم أن تصلوا؟ ما
لكم قد حبستم ملائكة الليل وملائكة النهار؟
قالوا: يمنعنا أننا ننتظر صاحبنا.
قال: فما يمنعكم إذا احتبس أن يصلي احدكم؟
قالوا: فانت أحق من يصلي بنا.
قال: أترضون بذا؟ قالوا: نعم، فصلَّى بهم.
فجاء معاذ فقال: ما حملك يا تميم على أن دخلت علي في سربال سربلنيه
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فقال: يا رسول الله، إن هذا تميم دخل في سربال سربلتنيه.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما تقول يا تميم؟
فقال مثل الذي قال في المسجد.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هكذا فاصنعوا مثل الذي صنع تميم بهم، إذا احتبس
الإمام (1).
ونفهم من هذا فقه تميم - رضي الله عنه - لأنه لا يجوز تاخير الصلاة
حتى يخرح وقتها لأن الإمام لم يحضر، بل ينبغي على الناس إذا تاخر إمامهم
أن يقدموا واحدا منهم يصلي بهم، ومما يدل على فقه تميم أنه بعد أن طلبوا
منه أن يؤمهم، حرص على رضاهم بإمامته حين قال لهم: أترضون بذا، فلما
قالوا نعم، صلَّى بهم، وأعظم دليل على فقهه، إقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما صنع
ووضع للناس القاعدة العامة في مثل ذلك فقال: هكذا فاصنعوا مثل الذي
صنع تميم بهم، إذا احتبس الإمام.
__________
(1) وفاء الوفا (3/ 5 0 8).
38

الصفحة 38