كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

إن الناس يتهافتون على اماكن النعيم، ويتزاحمون على مواضع الرخاء،
ولكن المؤمنين لا يعنيهم من الدنيا إلَّا المعابر التي تؤصلهم إلى الاخرة،
وجدوا هناك النعيم او فقدوه، ولا يهمهم منها إلَّا ما يربط قلوبهم بالله،
حصلوا هناك على الرخاء او منعوه، وفي هذا يقول - صلى الله عليه وسلم -:
ياتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه، هلم إلى الرخاء،
هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا لعلمون، والذي نفسي بيده لا
يخرج منهم احد رغبة عنها، إلا اخلف الله فيها خيرا منه، ألا إن المدينة
كالكير تخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها، كما ينفي
الكير خبث الحديد (1).
لهذا ظلت مكانة المدينة في قلوب المؤمنين هي هي، وإن فقدت
مميزاتها كمقر للخلافة، أو ضاقت بالناس سبل العيش فيها، ولم تكن مكانتها
تلك في قلوب المؤمنين الذين يجدون فيها ما يعوض ضيق العيش بسعادة
الروح، ولا ما يخلف مرارة الحياة بحلاوة الإيمان، ولكن مكانتها هذه كانت
عند كل مسلم وعلى كل حال، حتى الذين لا يفضلون نعيم الروح على متعة
الجسد لأنهم يشعرون انها البلد الذي آوى المسلمين وبذل كل ما يحتاجون
إليه في وقت شدتهم، ثم هي في النهاية البلد الذي أحبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
حتى قال لأهلها: المحيا محياكم والممات مماتكم (2).
ويستتبع الكلام على المدينة المنورة، الكلام على ما فيها وما حولها من
الآثار الدينية، والأماكن التاريخية، فإن المدينة تضم بين لابتيها من الآثار ما
ينبغي على المؤمن معرفته، ويرتبط تاريخها الإسلامي بمعالم لا يجوز لمؤمن
أن يجهلها.
ذلك لأن هذا التاريخ هو الجد الذي ينتسب إليه المؤمن، فيستفيد بما
فيه من العبر، ويقتفي أثر رواده في المسيرة إلى المجد والعز اللذين كتبهما
__________
(1) رواه مسلم باب المدينة تنفي خبثها.
(2) وفاء الوفا (1/ 233).

الصفحة 7