كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

الله للمؤمنين، وإن امة انقطع نسبها عن تاريخها لهي امة ضائعة، وإن قوما
أنبتت صلتهم بماضيهم لهم قوم ضالون.
لهذا كان الصحابة ياخذون اولادهم إلى أماكن تاريخهم، ويروونهم
تاريخهم وامجادهم، يقول أحدهم: إن كنا لنرؤي أبناءنا الغزوة من الغزوات
كما نحفظهم الآية من القرآن.
فلا بد إذا من دراسة الأماكن الأثرية والتاريخية المرتبطة بالمدينة
المنورة، لأننا بذلك نستكمل دراستنا التاريخية للمدينة، فحول المدينة كانت
وقائع وغزوات، وحول المدينة بنيت مساجد، واقيمت صلوات، وبالقرب من
المدينة كانت سقيفة بني ساعدة اول مقر لمجلس الشورى بعد وفاة الرسول
- صلى الله عليه وسلم - وعلى مشارف المدينة حفر الخندق، وكانت الغزوة التي
تحول بعدها قتال المسلمين من الدفاع إلى الهجوم، وقال فيها رسول اللّه-
- صلى الله عليه وسلم -: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم (1).
وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من المدينة او تزيد قليلا تقع واحة قباء اول
مكان اقام فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة، وفيها دار كلثوم بن الهدم البيت
الذي اقام فيه الرسول اربعة ايام قبل تحوله الى المدينة المنورة، وفي وادي
رانوناء، اقام رسول الله - صلاة الجمعة - باصحابه في مكان يعرف بالغبيب،
فكانت اول جمعة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باصحابه، وكانت خطبتها اول
خطبة خطبها.
وهناك حول المدينة الكثير من الاثار الدينية والتاريخية غير ما ذكرت،
كلها تستحق الدراسة والنظر، حتى يكون المسلم على معرفة تامة بعاصمة
الإسلام الأولى، تاريخيا وحضاريا، فلا يفوته عنها شيء.
وكانت الحركة العلمية في المدينة مستمرة لم تنقطع برغم تحول
العاصمة عنها، وبرغم ما كان من امرها من ضعف الأوضاع الاقتصادية، وكان
__________
(1) رواه البخاري في غزوة الخندق.

الصفحة 8