كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة

المسجد النبوي مصدر الإلهام، ومبعث الإشراق ومركز الرحا، يفد إليه العلماء
من انحاء الدولة الإسلامية المختلفة من الشام ومن العراق ومن مصر، ومن
المغرب العربي، وحتى من الأندلس، ينهلون من بحور العلم التي كانت تتدفق
من خلال حلقات الدروس التي كانت تعقد فيه.
وكان على راس العلماء فيه الفقهاء السبعة - رضوان الله عليهم - وهم:
سعيد بن المسئب، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير،
والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وابو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث،
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهؤلاء السبعة هم الأئمة الذين يرجع إليهم في
الفتوى، وقد اوجدوا في المدينة حركة علمية واسعة، ونشاطا عقليا لا نظير
له، حيث كانوا يستنبطون الأحكام، ويفتون في المعضلات، ويحلون بفهمهم
وعقلهم اعوص المشكلات.
فكان لا بد من معرفة هذه الحركة، والوقوف على ما احدثته من تطوير
في الأوضاع المختلفة، ومدى تاثيرها على عقول المسلمين، واستفادتهم
منها.
على اننا يجب الا ننسى ان الحركة العلمية في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي
عهد الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - والتي تناولتها في الجزء الثالث
من هذه الموسوعة، كانت هي البذرة الصالحة التي نبتت عنها هذه الحركة
العلمية، والتي امتدت منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، بل ستمتد- ان شاء
ايله - الى ان يرث الله الأرض ومن عليها.
فهي إذا حركة علمية ذات جذور ئابتة، لم يطرا عليها التحريف، ولم
يدخلها الزيغ، مؤسسة على مبادىء واصول مستمدة من كتاب الله - عز وجل-
ومستندة إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يشد ازرها ما تستنبطه عقول هؤلاء الصالحين
من سلف الأمة، وكبار الأئمة، لهذا فإن هذه الحركة اثرت الفقه الإسلامي،
بما احدثته فيه من الأقضية، وما جددته فيه من الأحكام.
لابد من متابعة هذه الحركة العلمية في كل مراحلها، سواء مراحل النمو

الصفحة 9